اختار الكاتب الفرنسي اللبناني أمين معلوف الكتابة عن «الهويات القاتلة»، وذلك لعدد من الأسباب، أهمها أنه كان يسعى لفهم كيف تؤثر الهويات الثقافية والاجتماعية على سلوك الأفراد والمجتمعات، وكيف يمكن أن تؤدي إلى حدوث صراعات، كما أراد التحذير من الانقسامات الناتجة عن التعصب والانغلاق على الهوية، وما يمكن أن ينتج عنها من عنف وصراعات.
يدعو معلوف إلى قبول التعددية والاختلاف، مشدداً على أهمية التفاهم بين الثقافات المختلفة في عالم متنوع، حيث يعكس معلوف تجاربَه الشخصية كلبناني يعيش في الغربة، مما يجعله قادراً على تناول قضايا الهوية من منظور فريد ومعمق. كما يتناول قضية الهوية في سياق الأحداث السياسية والاجتماعية المعاصرة، مما يجعل عمله ذا صلة بواقع اليوم. ويسعى معلوف إلى تقديم رؤية شاملة تعزز الحوار والتفاهم بين الثقافات، وتسلط الضوء على المخاطر المرتبطة بالتعصب والانغلاق.
ويذكر معلوف بعض الأمثلة البارزة لتأثير الهوية على الصراعات في كتابه «الهويات القاتلة»، مثل الحرب الأهلية اللبنانية، حيث يوضح كيف أدَّت الانقسامات الطائفية في لبنان إلى صراع طويل وعنيف، وكيف تم استخدام الهوية كوسيلة لتبرير العنف والتهميش.
أما من ناحية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فقد تناول معلوف تأثير الهوية الوطنية والدينية في هذا الصراع المستمر، وكيف تسهم في تعزيز مشاعر العداء والانقسام بين الطرفين. وبخصوص الصراعات في البلقان، استعرض الكاتب كيف أدت الاختلافات العرقية والدينية هناك إلى حروب دموية، مشيراً إلى كيفية استخدام الهويات كأداة للتحريض على الكراهية. ثم تناول التمييز العنصري، وتحدث عن تأثير الهويات العرقية على العلاقات الاجتماعية، مثل التمييز ضد الأقليات في مختلف الدول، وكيف يؤدي ذلك إلى العنف.
وسلّط معلوف الضوء على كيفية استخدام الهويات القبلية في الصراعات الدموية في بعض الدول الإفريقية، مشيراً إلى دورها في تأجيج النزاعات.
وتساعد تلك الأمثلة في توضيح كيف يمكن أن تكون الهويات، رغم أهميتها، مصدراً للصراعات الاجتماعية عندما تُستخدم بشكل سلبي.
تجاوز تأثير الهوية في الصراعات الحالية يتطلب استراتيجيات متعددة تهدف إلى تعزيز التفاهم والتسامح، مثل تعزيز الحوار بين الثقافات، وتنظيم حوارات مفتوحة تجمع بين ممثلي الهويات المختلفة لتعزيز الفهم المتبادل وتوفير مساحة لتبادل الآراء والتجارب. واعتماد مناهج تعليمية تركز على التعددية الثقافية وتاريخ الصراعات، يساعد الأجيال الجديدة على فهم تجارب الآخرين، والتركيز على تعزيز القيم الإنسانية المشتركة، مثل السلام، والعدالة، والاحترام.. إلخ، مما يساعد على بناء جسور بين الهويات المختلفة.
كما ينبغي وضع سياسات حكومية تعزز المساواة، وتحمي حقوق جميع الهويات، وتمكين الشباب من المشاركة في عمليات صنع القرار وبناء هوياتهم بشكل إيجابي، وتشجيع التعاون الاقتصادي بين مختلف المجموعات.. مما يعزز التفاعلات الإيجابية ويقلل التوترات.
وبالإضافة إلى ذلك فإن دعم المشاريع والمبادرات المحلية بهدف تعزيز التعايش السلمي بين المجتمعات المختلفة، يمكن أن يساعد على تقليل صراعات الهوية وعلى تعزيز التفاهم والتسامح بين مختلف المجموعات.
ولتعزيز مبادرات الحوار بين الثقافات، يمكن اتباع استراتيجيات من أهمها تطوير البرامج التعليمية، وإدماج المناهج التعليمية بحيث تركز على التعددية الثقافية والتفاهم بين الأديان، وتنظيم ورش عمل ودورات تدريبية لتعزيز مهارات الحوار والتواصل. كما يجب توفير الموارد والدعم المالي، وتخصيص تمويل للمبادرات الثقافية الهادفة إلى تعزيز التفاهم بين المجتمعات، ودعم المنظمات غير الحكومية العاملة في هذا المجال، وتشجيع المشاركة المجتمعية والمبادرات المحلية في تخطيط وتنفيذ البرامج الثقافية، وتنظيم فعاليات فنية تجمع مختلف المجموعات لتعزيز التفاعل. ولا يمكن تجاهل تيسير الحوار بين القادة، من خلال تنظيم لقاءات بين قادة المجتمعات والأديان لتبادل الأفكار وتطوير الاستراتيجيات المشتركة، وتعزيز التعاون بين المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، واستخدام وسائل الإعلام الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي لنشر قصص النجاح وتعزيز الحوار بين الثقافات، وإنشاء منابر إعلامية تعزز النقاشات البناءة وتسلط الضوء على القضايا الثقافية، وتنظيم برامج التبادل الثقافي بين الشباب من خلفيات مختلفة لتعزيز الفهم المتبادل، وتنظيم زيارات مشتركة وفعاليات ثقافية لتعزيز الروابط الإنسانية.
من خلال هذه الاستراتيجيات، يمكن تعزيز الحوار بين الثقافات وتحقيق التفاهم والسلام في مختلف مناطق العالم.

*كاتبة سعودية