تولي دولة الإمارات العربية المتحدة الابتكار اهتماماً كبيراً، بوصفه أداة حيوية لمواكبة التطور المتسارع الذي يشهده العالم في مختلف المجالات، وقد احتلت الدولة صدارة منطقة شمال أفريقيا وغرب آسيا في تقرير «المؤشر العالمي للابتكار» لعام 2024، مُحرزة المرتبة «32» عالمياً. ويرتبط هذا التقدُّم في مجال مؤشر الابتكار، بالجهود والمبادرات والتشريعات المتواصلة التي سعت الدولة إلى إطلاقها لتأسيس بناء صلب وبيئة مؤسسية محفزة للابتكار والتقدم.
يصدر تقرير «المؤشر العالمي للابتكار» عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية «ويبو» المعنية بحقوق الملكية الفكرية عالمياً بشكل سنوي، ويصنف الأداء الابتكاري لنحو 131 بلداً واقتصاداً في أنحاء العالم، باستخدام أكثر من 80 مؤشراً، كما يشارك في إعداده كل من جامعة كورنيل والمعهد الأوروبي لإدارة الأعمال، حيث يتضمن ترتيباً سنوياً لقدرات وأداء الاقتصادات في مجال الابتكار على الصعيد العالمي.
لقد تنبَّهت دولة الإمارات إلى الدور المحوري للابتكار في تعزيز التقدم في كل المجالات منذ مرحلة مبكرة، ومن أولى المبادرات التي أطلقتها الدولة في هذا الصدد «الاستراتيجية الوطنية للابتكار» عام 2014، وتضمنت 30 مبادرة وطنية كمرحلة أولى، جرى العمل على تنفيذها على مدار 3 سنوات، وشملت مبادرات لدعم الابتكار، وبناء القدرات الوطنية، وتحفيز القطاع الخاص وبناء الشراكات العالمية، وتحفيز الابتكار في 7 قطاعات رئيسية هي الطاقة المتجددة، والنقل، والصحة، والتعليم، والتكنولوجيا، والمياه، والفضاء. ومن بين المسارات الرئيسية التي تضمنتها هذه الاستراتيجية، مسار تطوير الابتكار الحكومي عبر تحويله إلى عمل مؤسسي، يتم من خلاله تبنّي أدوات حديثة تساعد الجهات الحكومية على الابتكار. كما شهد عام 2014 أيضاً تأسيس مركز محمد بن راشد للابتكار الحكومي الرامي لتحفيز ثقافة الابتكار، وفي عام 2015 تم اعتماد السياسة العليا في مجال العلوم والتكنولوجيا والابتكار، التي تضمنت 100 مبادرة وطنية، بميزانية تفوق 300 مليار درهم.
أعقب ذلك في عام 2018 إطلاق «الاستراتيجية الوطنية للابتكار المتقدم» التي هدفت إلى تطوير نمط تفكير يشجع على التجربة والمخاطرة المدروسة، بهدف دعم تحقيق محاور وأهداف «مئوية الإمارات 2071» الرامية لجعل الإمارات أفضل دولة في العالم، بما في ذلك التمتُّع بأفضل تعليم، وأفضل اقتصاد، وأسعد مجتمع بقيادة أفضل حكومة.
وتتنوع المجالات التي تشهد تطوراً وابتكارات متقدمة بداية من العمل المؤسسي والخدمات اللوجستية وصولاً إلى عدد من المجالات التكنولوجية، حيث تسارع دولة الإمارات إلى احتضان أحدث الحلول والابتكارات والحلول التقنية المتقدمة التي تعزز كفاءات الخدمات المقدَّمة، وتؤسس لمزيد من التطور في احتضان وتطوير التقنيات، كما تعمل منصات الخدمات الرقمية على أتمتة الإجراءات وتبسيطها، وهي عوامل تمثل بيئة جذب للشركات العالمية الباحثة عن الحلول اللوجستية المتطورة. وقد أشادت «المجلة الأميركية للنقل»، في مقال لها نشر في يونيو الماضي، بمدى التفوق والتنافسية العالمية التي تُظهرها دولة الإمارات، وكيف أنها تحوّلت إلى مركز لوجستي عالمي، نتيجة للدعم الحكومي الكبير والمبادرات الاستراتيجية الجريئة والاستثمار في الحلول الذكية، إلى أن أصبحت مثالاً يحتذى به في الخدمات اللوجستية للقرن الحادي والعشرين، ومركزاً لحركة التجارة العالمية ونشاطاتها المختلفة، وقد جاء ذلك نتيجة لاحتضان الدولة للابتكارات والحلول التقنية المتقدمة، الأمر الذي عزَّز مستويات الكفاءة اللوجستية، في مطاراتها وموانئها، مع تبسيط العمليات، وتقليل الأخطاء البشرية وزيادة الإنتاجية.
كما يأتي هذا التقدم في تقرير «المؤشر العالمي للابتكار» لعام 2024 متوازياً مع ارتفاع تصنيف الإمارات في عدد من المؤشرات المماثلة، منها احتلالها المرتبة الأولى عربياً في مؤشر الأداء الصناعي التنافسي CIP الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (UNIDO) لعام 2024، والمرتبة 27 عالمياً وفق هذا المؤشر الذي يغطي تنافسية القطاع الصناعي في 153 دولة حول العالم.
ويأتي اهتمام دولة الإمارات بدعم الابتكار في إطار تعزيز مكانتها الدولية والإقليمية بوصفها منارة للتميز في الأداء المؤسسي الحكومي وفي القطاع الخاص، ما يؤكد ريادتها التنافسية، والمكانة المرموقة التي وصلت إليها، إقليمياً ودولياً، ضمن رؤية تسعى إلى إنشاء منظومة صناعية ولوجستية متكاملة تعتمد التقنيات المتقدمة، وتدعم النمو الاقتصادي.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية