ينطلق «مركز تريندز للبحوث والاستشارات» في جولاته البحثية حول العالم من رؤية قائمة على بناء الجسور والتواصل والتعاون بين مراكز الفكر والمؤسسات البحثية والعلمية، إيماناً منه بأن أحد أهم أدوار مراكز الأبحاث هو الإسهام في الحوار الدولي، ومن ثَمّ بناء التصورات وتقديم الرؤى الرصينة والقراءات الاستشرافية للمستقبل، والعمل أيضاً كمنصات إقليمية ودولية لها دور دائم وممتدّ في «دبلوماسية مراكز الفكر»، ونشر المعرفة، وتقديم الإسناد لجهود التنمية، والتصدي للتحديات كافة، ولذا قام وفد المركز بجولات عدة في أوروبا وأفريقيا والولايات المتحدة، ومؤخراً في قارة آسيا، صاحبةِ المستقبل الواعد، والتي تحظى بأهمية استثنائية ضمن دوائر عملنا في المركز.وشملت جولة «تريندز» البحثية الآسيوية الأخيرة ثلاثَ دول، وهي: كوريا الجنوبية واليابان وإندونيسيا، وجميعها تشكّل مراكزَ اقتصادية وفكرية مهمّة في القارة الآسيوية، ولذا كنّا حريصين في «تريندز» على بناء روابط بحثية ومعرفية قوية مع المؤسسات البحثية والأكاديمية في هذه الدول الثلاث، ففي كوريا الجنوبية، تم تدشين مكتب «تريندز - سيؤول»، في حرم جامعة كوريا العريقة، بحضور سفير دولة الإمارات لدى كوريا عبدالله سيف النعيمي، إذ تُشكّل هذه الخطوة نقطة انطلاق تسهّل تبادل الخبرات والكوادر والتعاون في الإنتاج العلمي والمعرفي. كما عَقد المركز جلسة حوارية مع مسؤولي وخبراءَ الجامعة، لفتح المجال أمام التعاون بين «تريندز» وجامعة كوريا في المجالات التكنولوجية، والذكاء الاصطناعي. وكانت الفرصة سانحة خلال هذه المحطة لإطلاق كتاب «الأمن السيبراني في عصر الذكاء الاصطناعي»، للدكتور محمد حمد الكويتي، رئيس مجلس الأمن السيبراني لحكومة دولة الإمارات، ليسلّط الضوء على أهمية مواكبة القوانين والسياسات للتطورات التكنولوجية وثورة الذكاء الاصطناعي. كما كان «تريندز» شريكاً استراتيجيّاً للندوة المهمة التي نظّمتها سفارة دولة الإمارات في سيؤول حول «مستقبل الذكاء الاصطناعي»، بالتعاون مع جامعة كوريا.
وفي زيارتنا إلى اليابان، عَقد «تريندز» مؤتمره السنوي الدولي الرابع، بعنوان «الأمن المستدام في عام 2024 وما بعده - دور الذكاء الاصطناعي»، بالتعاون مع مركز أبحاث العلوم والتكنولوجيا المتقدمة بجامعة طوكيو، وبمشاركة مسؤولين رفيعي المستوى، تَقدَّمهم معالي فيصل عبدالعزيز البناي، الأمين العام لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة، وشهاب أحمد الفهيم، السفير فوق العادة والمفوض لدولة الإمارات لدى اليابان، والبروفيسور هيروكي آيهارا، النائب التنفيذي لرئيس جامعة طوكيو، إضافةً إلى أكثر من 30 خبيراً من 10 دول بالعالم، لمناقشة سبل تطويع الذكاء الاصطناعي في بناء مستقبل أكثر أماناً للعالم. وقد أوصى المشاركون في المؤتمر بضرورة وضع إطار عمل عالمي موحّد لحوكمة الذكاء الاصطناعي، ومراعاة الأخلاقيات في تطوير واستخدام التقنية، ومعالجة المخاطر المتزايدة للهجمات السيبرانية التي تستهدف أنظمة الذكاء الاصطناعي، واستغلال الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة الطاقة، وتطوير حلولٍ لمواجهة تحديات تغير المناخ.
ولا شك أن اختيار العاصمة اليابانية لعقد مؤتمر «تريندز» السنوي، بعد أن عقد المؤتمرات الثلاثة السابقة مع شريك غربي، هو المجلس الأطلسي، جاء تلبية لرغبة «تريندز» في تنويع الشراكات البحثية وتعزيز الحوار الفكري العالمي مع الشرق والغرب، بوصفه منصة للحوار البحثي العالمي. وتأكيداً لذلك، جاء تدشين مكتب «تريندز - طوكيو» خلال هذه المحطة، بهدف تعزيز الروابط المعرفية والبحثية مع المجتمع البحثي الياباني. وكُلّل التعاون بين «تريندز» وجامعة طوكيو، ممثلةً في مركز أبحاث العلوم والتكنولوجيا المتقدمة، بتوقيع اتفاقية تعاون شاملة للتعاون في مجالات البحوث والدراسات، وإطلاق مشروعات مشتركة تتصل بمجال الذكاء الاصطناعي، كما تم التوافق مع مركز أبحاث العلوم والتكنولوجيا المتقدمة بجامعة طوكيو، وهو الصرح العلمي المتقدم، على إنتاج أبحاث ودراسات تخدم تطوير استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في دعم البحوث الخاصة باستشراف المستقبل.
وضمن إطار تركيزه على قضايا الذكاء الاصطناعي والتطور التكنولوجي، أطلق «تريندز» كتابه الجديد «الاتجاهات العالمية في الذكاء الاصطناعي» في العاصمة طوكيو، ويتناول هذا الكتاب الاتجاهات الدولية الرئيسية في مجال الذكاء الاصطناعي، وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع والحكومة، مع الإشارة إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، والتحديات الأخلاقية، ومستقبل الذكاء الاصطناعي في حياتنا.
وفي المحطة الثالثة، ضمن هذه الجولة الآسيوية، افتَتح «تريندز» مشاركته الفاعلة في النسخة الـ 44 من معرض إندونيسيا الدولي للكتاب 2024، والتي كان المركز هو الراعي الرسمي لها، انطلاقاً من قناعته بأهمية نشر ومشاركة المعرفة في صياغة المستقبل.
وتأكيداً لمكانة «تريندز» البحثية العالمية، فقد شهد افتتاح الجناح في هذا المعرض مشاركة واسعة من العديد من المسؤولين والأكاديميين، وعلى رأسهم معالي ساندياجا أونو، وزير السياحة والاقتصاد الإبداعي الإندونيسي، وأديانتي سارداناريني ويراجودا، مديرة إدارة التعاون الاقتصادي لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وعبدالله سالم الظاهري، سفير دولة الإمارات لدى إندونيسيا، وممثلو سفارات كلٍّ من السعودية والكويت وقطر وسلطنة عُمان والبحرين والأردن ومصر وتركيا وقبرص، حيث اطلّع كل هؤلاء على جناح المركز، الذي ضمّ أكثر من 300 إصدار بحثي متنوع بأكثر من 15 لغة، لرصد وقراءة وتحليل الواقع والمستقبل الدولي. كما شهد هؤلاء المسؤولون، والعديد من الخبراء والأكاديميين، فعاليات الندوة التي نظمها المركز في المعرض بعنوان: «بناء الجسور وتشكيل المستقبل.. علاقات دول مجلس التعاون الخليجي مع دول جنوب شرق آسيا»، والتي عُقدت برعاية إعلامية من مركز الاتحاد للأخبار، وبمشاركة فاعلة من رئيس المركز الدكتور حمد الكعبي.
إضافةً إلى ذلك، شهدت محطة إندونيسيا العديد من الفعاليات المهمة، من بينها: إطلاق مؤشر نفوذ الإخوان المسلمين على المستوى الدولي باللغة الإندونيسية، وتنظيم حلقة نقاشية تناولت الخلاصات الرئيسية لهذا المؤشر، إضافةً إلى إطلاق أربعة كتب باللغة الإندونيسية، ضمن جهود المركز لإيصال نتاجه المعرفي إلى مختلف الشعوب والثقافات، ومن هذه الكتب: الكتابان الحادي عشر والثاني عشر من موسوعة الإخوان المسلمين، وكتاب «الأتمتة ومستقبل المزاحمة بين الإنسان والآلة: رؤية تحليلية استشرافية»، وكتاب «الاتجاهات العالمية في الذكاء الاصطناعي». كما تم تدشين مكتبنا العاشر حول العالم، وهو مكتب «تريندز- جاركارتا»، والذي يأتي ضمن خطة المركز لإنشاء 15 مكتباً حول العالم، خلال عام 2024، لتوسيع دائرة الانتشار البحثي، والحصول على المعلومات من مصادرها الأصلية، ونشر المعرفة من واقع الأحداث.
وتعدّ مشاركة «تريندز» لأول مرة في معرض إندونيسيا للكتاب، باعتباره المؤسسة البحثية الوحيدة التي شاركت في المعرض، دلالة على عملنا الدؤوب والريادة في التواصل البحثي، وتواصل العمل بلا توقف لفتح آفاق ومعارف في مناطق جديدة وتحقيق الرؤية العالمية، كي يكون منصة عالمية للحوار الفكري والثقافي، والشراكة بين الأمم والشعوب، وتعظيم الاستفادة من الفرص في مسار التنمية والازدهار.
علاوة على كل ذلك، شهدت هذه الجولة الآسيوية إطلاق مركز تريندز ميداليته البحثية، والتي يتم منحها للشخصيات التي تقدّم إسهامات مهمة في مجال تطوير البحث العلمي، وتحرص على تعزيز التعاون مع «تريندز» في ترسيخ ثقافة البحث العلمي في المجالات المختلفة. وقد تم تقليد هذه الميدالية لكلٍّ من: السيدة ني ماد أيو مارتيني، نائبة وزير السياحة والاقتصاد الإبداعي في إندونيسيا، والدكتور كيم دونغ-وون، رئيس جامعة كوريا.
إن جولة مركز تريندز للبحوث والاستشارات، الآسيوية، بالشراكة مع مركز الاتحاد للأخبار، في محطاتها الثلاث، جاءت لفتح آفاق الحوار مع المجتمع العلمي والبحثي في آسيا، والتعاون مع المؤسسات المناظرة في مجالات متعددة، وفي المقدمة تأتي التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، باعتبارهما من المحركات الأساسية للمستقبل العالمي، وحيث يمارس «تريندز» «دبلوماسية الفكر» كحلقة وصل بين مجتمع البحث العلمي في آسيا - بما تشكّله من ثِقل عالمي - والشرق الأوسط، والهدف هو الانفتاح المعرفي والعلمي على العالم، واستشراف المستقبل بوعي ومعرفة.

د. محمد عبدالله العلي*

*الرئيس التنفيذي - مركز تريندز للبحوث والاستشارات