ماذا كنتَ ستفعل؟ ليس هناك سؤال آخر طرحته الحكومة الإسرائيلية على العالم أكثر من هذا السؤال منذ هجوم «حماس» على إسرائيل في 7 أكتوبر وهاجم «حزب الله» إسرائيل في 8 أكتوبر.ماذا كانت ستفعل دولتك لو عبر مسلحون حدودك الغربية وقتلوا أو شوّهوا أو اختطفوا مئات الإسرائيليين الذين صادفوهم في الطريق، وفي اليوم التالي أرسل حلفاؤهم من «حزب اللهَ» صواريخ عبر حدودك الشمالية، ما تسبب في نزوح آلاف المدنيين؟
ماذا كنتَ ستفعل؟ إنه سؤال وجيه وفي محله، سؤال غالباً ما يتهرب منه منتقدو إسرائيل. ولكنهم ليسوا الوحيدين الذين يتهربون منه. فهذه الحكومة الإسرائيلية، بقيادة بنيامين نتنياهو، تريد مني ومنك ومن كل إسرائيلي ومن كل أصدقاء إسرائيل -- وحتى من أعدائها -- أن نصدق أن هناك دائماً إجابة واحدة صحيحة لهذا السؤال: غزو قطاع غزة، ومطاردة كل قادة «حماس» ومقاتليها وقتلهم عن بكرة أبيهم، وعدم الاكتراث للخسائر التي تلحق بالمدنيين، ثم دكّ «حزب الله» في لبنان -- والقيام بالأمرين بدون قضاء وقت في التخطيط لاستراتيجية خروج لأي منهما.
لقد قلتُ منذ اليوم الأول إنه فخ. فدولة إسرائيل اليوم إزاء خطر جسيم ومحدق. والخطر مصدره الائتلاف الحاكم الإسرائيلي الحالي والواقع أنه لم يكن لديّ أبداً أي وهم بشأن الأسباب الكبرى لهذه الحرب. فهي جزء من استراتيجية كبرى تروم تدمير الدولة اليهودية ببطء، وتقويض نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة -- مع ردع إسرائيل واستنزافها.
فالدافع والهدف المباشر للحرب كانا مصلحة أعداء إسرائيل في إفشال مبادرة فريق بايدن الدبلوماسية الرامية إلى جمع كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية والسعودية ضمن حلقة سلام. وكانت الاستراتيجية المضادة التي يتبناها أعداء إسرائيل تتمثل في إشعال حلقة من النار حول إسرائيل، باستخدام «حماس» و«حزب الله» والحوثيين والميليشيات الموالية لإيران في العراق ومسلحي الضفة الغربية الذين تم تسليحهم بأسلحة تم تهريبها عبر الأردن.
وهذه الاستراتيجية محكمة، وتتضمن: تدمير إسرائيل عبر التضحية بأكبر عدد تستدعيه الضرورة من الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين واليمنيين للقضاء على إسرائيل. إسرائيل تواجه تهديداً وجودياً من الخارج، ولكن رئيس وزرائها وحلفاءه يولون الأولوية لمصالحهم السياسية والإيديولوجية ويقدمونها على ذلك. حتى إنهم أعادوا مؤخراً إحياء محاولتهم ضد القضاء من خلال سحق المحكمة العليا الإسرائيلية -- في خضم حرب بقاء وطني بينما يموت الرهائن في غزة.
ولمواجهة شبكة التهديدات هذه، كانت إسرائيل في حاجة إلى 4 أمور: الكثير من الوقت، لأن حلقة النار هذه لا يمكن إخمادها بين عشية وضحاها، والكثير من الموارد، لا سيما من الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين الآخرين، والكثير من الحلفاء العرب والأوروبيين، لأن إسرائيل لا تستطيع خوض حرب استنزاف بمفردها، وربما الأهم من ذلك كله، الكثير من الشرعية. الرئيس جو بايدن وفريقه عرضوا على إسرائيل خريطة طريق لمواجهة تلك الاستراتيجية المضادة، وكانت خريطة الطريق هذه تقضي بإقناع حلفاء أميركا العرب بإصلاح السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بشكل جذري بقيادة جديدة ذات مصداقية، ثم حمل إسرائيل على الموافقة على فتح مفاوضات مع قيادة السلطة الفلسطينية تلك حول مسار طويل الأمد لحل الدولتين.
غير أن نتنياهو يرفض دعوة بايدن حتى الآن لأن رئيس الوزراء كان سيضطر للانفصال عن اليمينيين الذين أوصلوه إلى السلطة وتشكيل ائتلاف حاكم مختلف مع أحزاب أكثر اعتدالاً. فنتنياهو يولي الأولوية لأمنه السياسي الشخصي على حساب أمن إسرائيل القومي. نتنياهو ظن أنه إذا قال للعالم إن إسرائيل تدافع عن حدود الحرية ضد «حماس» و«حزب الله» والحوثيين وإيران، فإن الجميع سيصطف خلف إسرائيل. ماذا كنتَ ستفعل؟
الدول العربية المعتدلة والأوروبيون قالوا لنتنياهو: روايتك تفتقر للانسجام والتماسك. لا يمكنك أن تقول للعالم إنك تدافع عن حدود الحرية ضد «حماس» و«حزب الله» بينما تعمل في الوقت نفسه على توسيع احتلال إسرائيل الاستيطاني للفلسطينيين في الضفة الغربية – بعنف متزايد.
إن روايتك تفتقر للاتساق والتماسك. ولهذا اختار رئيس الوزراء الإسرائيلي القتال بشكل منفرد على 3 جبهات -- غزة ولبنان والضفة الغربية - بدون خطة للصباح التالي في أي منها.
ولهذا، يجدر ببايدن أن يدعو كليهما إلى المكتب البيضاوي في أقرب وقت ممكن من أجل تبني خطتهما لحل الدولتين، وهو ما يتماشى تماماً مع مصالح الولايات المتحدة.حينما تخوض حرباً كهذه بدون أفق سياسي كل هذا الوقت -- حرب تمنع أي إمكانية لحكم الفلسطينيين الأكثر اعتدالاً لغزة -- فإن العملية العسكرية الإسرائيلية هناك تبدو مع الوقت وكأنها عمليات قتل بلا نهاية من أجل القتل فقط. وهذا بالضبط ما ترغب فيه «حماس» و«حزب الله» وحلفاؤهما. والشيء الوحيد الذي أنا على يقين منه أن الطريق الذي وضع نتنياهو إسرائيل عليه الآن هو طريق إلى الخراب، محاط بحلقة من النار.
*كاتب وصحافي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»