إذا كانت صناديق الاستثمار المشتركة، هي وسيلة لقياس اهتمام المستثمرين بالعوائد الخالية من المخاطر، فإن خفض الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس إلى 4.75 في المئة و5 في المئة، يعدُّ خطوةً من شأنها أن تقلل من جاذبية الاستثمار. ومما يزيد أهمية هذه الخطوة أن التوقعات تشير إلى متابعة الخفض بشكل تدريجي، ليصل إلى معدل يتراوح بين 3.5 في المئة و3.75 في المئة بنهاية العام المقبل، و2.75 في المئة و3 في المئة بنهاية عام 2026. ولذا يَنصح مستشارو الاستثمار عملاءَهم بعدم الاحتفاظ بالأموال السائلة، والتخلص من مخصصاتهم النقدية الكبيرة.

وتعد صناديق الاستثمار المشتركة، منخفضة المخاطر، وهي تستثمر في الأوراق المالية الحكومية قصيرة الأجل، وغيرها من الأموال النقدية. وعندما ترتفع الفائدة قصيرة الأجل، ترتفع عائدات صناديق سوق المال معها، مما يجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين. وهذا ما حصل في السنوات الأخيرة، إذ جذبت الصناديق 951 مليار دولار منذ عام 2022 عندما بدأ البنك الفيديرالي دورة رفع الفائدة للحد من التضخم.

وقد بلغت أصولهم 2.6 تريليون دولار في 18 سبتمبر الجاري، بزيادة في حودد 80 في المئة. لكن مع انخفاض أسعار الفائدة ستنخفض جاذبية الصناديق، وتتراجع عملية الاحتفاظ بالمال في الحسابات المصرفية. وفيما أشاد صندوق النقد الدولي بنمو الاقتصاد الأميركي، وتقدمه المحرز نحو السيطرة على «التضخم»، متوقِّعاً أن يعود إلى تحقيق المستهدف وهو 2 في المئة عام 2025، يلاحظ أن عضو «الفيديرالي» ميشال بومان اعترضت على خفض الفائدة نصفَ نقطة، مفضلةً خفضها بربع نقطة، لأن «مخاطر ارتفاع التضخم ما تزال بارزة». ومع تأييدها صندوق النقد بأن «الاقتصاد الأميركي ما يزال قوياً»، فإنها حذَّرت من أن التضخم الأساسي «مرتفع بشكل غير مريح»، وهو عند مستوى 2.6 في المئة. وفي هذا السياق يسعى المرشحان للرئاسة الأميركية، كامالا هاريس ودونالد ترامب، لاستغلال قرار خفض معدل الفائدة «سياسياً»، حيث أشادت هاريس بالقرار كونه «نعمة» لأُسر الطبقة المتوسطة، بينما ألمح ترامب إلى أن الخفض ربما كان بدوافع سياسية، مضيفاً القول: «هذا يُظهر أن الاقتصاد سيءٌ للغاية».

لا شك في أن خفض الفائدة سيسهم في خفض قيمة الفوائد المدفوعة على الدَّين العام والتي ارتفعت بنسبة 36 في المئة إلى 522 مليار دولار، بعد ارتفاع تكاليف الإقراض، للسنة المالية التي تنتهي آخِر سبتمبر الحالي. وذلك مع تجاوز سقف الدَّين العام 35 تريليون دولار.

وقد اتفق زعماء الكونغرس على مشروع قانون إنفاق قصير الأجل، لمدة ثلاثة أشهر (أكتوبر–ديسمبر)، بغية تجنُّب الإغلاق الحكومي الجزئي المحتمل عندما تبدأ السنة المالية الجديدة. وهذا يمنح الكونغرس الحالي القدرة على صياغة مشروع قانون إنفاق لمدة عام كامل بعد الانتخابات الرئاسية، بدلا من دفع هذه المسؤولية إلى الكونغرس والرئيس القادمين. يبقى السؤال: ما هو وضع الدولار؟ يرى بعض المحللين أن خفض أسعار الفائدة من شأنه أن يضعف الدولار، وقد توقع بنك «غولدمان ساكس» خفضَ قيمته مقابل مجموعة واسعة من العملات، على أن يتم ذلك تدريجياً، بحيث لا يتآكل بسرعة أو بسهولة.

واللافت أن هذا التطور يحقق هدف المرشح الجمهوري ترامب الذي أعلن صراحةً «ضرورة خفض قيمة العملة»، لأن الدولار القوي يلحق «ضرراً» بالولايات المتحدة، وهو يشكل «عبئاً هائلا»على الشركات الأميركية التي تحاول بيع سلعها في الخارج.

لكن مجلة «إكونوميست» البريطانية أشارت إلى أن الخيارات المتاحة لترامب (حال فوزه بالرئاسة) للمساعدة في تقليل قيمة الدولار خيارات صعبة، ولها عيوبها الخاصة. وكذلك سيكون من الصعب أن تتجه وزارة الخزانة إلى بيع الدولارات لشراء العملات الأجنبية، بسبب ارتفاع تكلفة ذلك، فضلا عن العجز الكبير في الميزانية.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية