تخطو دول مجلس التعاون الخليجي خطوات مهمة نحو أندماج مؤسساتها المالية والصناعية، لإيجاد كيانات اقتصادية كبيرة قادرة على المنافسة في الأسواق المحلية والعالمية، وذلك بالإضافة إلى الكثير من التداعيات التي ستتمخض عن هذا التوجه الخليجي، والتي سنتطرق إليها ببعض التفصيل.
وضمن هذا التوجه قامت شركة «معادن السعودية» بشراء حصة «سابك» في «شركة ألمنيوم البحرين» (البا) والبالغة 20.62%، في مسعى لإيجاد مؤسسة كبيرة للألمنيوم، علماً أنه سبق أن اندمجت «ألمنيوم أبوظبي» مع «ألمنيوم دبي» («دوبال»)، ونجم عن ذلك قيام شركة «الإمارات العالمية للألمنيوم» التي تعد الآن واحدةً من أكبر منتجي هذا المعدن، وقد أشرنا إلى نتائجها الإيجابية في حينه.
ومعلوم أن «البا» البحرينية أُقيمت قبل أكثر من خمسين عاماً، كأول شركة لإنتاج الألمنيوم في المنطقة، مما يعني أنها تمتلك تجربةً غنيةً في إنتاج وتسويق هذه المادة الحيوية، إضافة إلى اكتسابها تجربةً تقنيةً وخبراتٍ ستشكل دعماً يضاف إلى القدرات المالية والفنية التي تمتلكها «معادن السعودية»، ما يشكل تكاملاً سيعزز هذه الصناعة في دول المجلس، والتي تعتبر الآن واحدةً من أكبر وأهم منتجي الألمنيوم في العالم.
وضمن النتائج المتوقعة لتلك الخطوة بروز إمكانيات عديدة لتطوير الارتباطات الأمامية (downstream) لمنتجات الألمنيوم، والتي يزداد الطلب عليها في الأسواق المحلية والعالمية، ما سيؤدي إلى إقامة صناعة متكاملة ستوفر الكثير من فرص العمل لمواطني البلدين، وتعزز نمو القطاع الصناعي، وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي لكل من السعودية والبحرين.
وإلى جانب ذلك، فإن هذا التوجه سيؤدي إلى خفض تكاليف الإنتاج، وتوفير المواد الأولية، بما فيها مصادر الطاقة، بأسعار مناسبة سترفع من القدرات التنافسية للمؤسسة الجديدة. كما أن إدراجها المتوقع في سوق الأوراق المالية السعودية، إلى جانب إدراجها الحالي في السوق البحرينية، سيمنحها المزيدَ من الشفافية، ويشجع المستثمرين على اقتناء أسهمها، بدليل الارتفاع الكبير لسهمي «معادن» و«البا»، بعد الإعلان عن عملية الانتقال لأسهم الأخيرة.
وفي الجانب المالي، يسعى «بنك السلام» للتحول تدريجياً إلى أكبر بنك في البحرين، بملكية مشتركة إماراتية بحرينية، بعد استحواذه على بعض البنوك، وكان أحدث ذلك استحواذه على عمليات «بيت التمويل الكويتي» في البحرين، والذي قام بدوره (أي بيت التمويل الكويتي) بالاستحواذ على عمليات «البنك الأهلي»، وهو ما يشكل تعاوناً آخر بين المؤسسات الإماراتية والكويتية والبحرينية.
وهذه مجرد أمثلة حية لهذا التوجه الخليجي الذي يتوقع أن ينمو وتزداد عمليات الاندماج والاستحواذ بين مؤسساته، مما ستكون له آثار إيجابية كبيرة ومهمة ستساعد كثيراً على ربط مصالح القطاعين الحكومي والخاص في دول المجلس، وبالتالي ستساهم بدرجة كبيرة في تذليل بعض العقبات التي تعيق إنجاز السوق الخليجية المشتركة، وبعض البنود العالقة منذ سنوات عدة. كما ستساهم في تقريب التفاوتات الحالية بين بعض الأنظمة والتشريعات في دول المجلس، وهو تفاوت كان يعيق قيام السوق المشتركة، إذ لا يوجد أفضل من ربط المصالح الاقتصادية والتجارية لتقريب وجهات النظر وتأسيس مؤسسات مالية وتجارية وصناعية كبيرة سيكون لها أثر فاعل في نمو الاقتصادات الخليجية، ورفع قدراتها التنافسية، وتقوية مواقعها في الأسواق العالمية.
ومن شأن هذا التوجه الاندماجي من قبل الشركات الخليجية أن يوفر إمكانيات لإقامة مراكز تدريب مهنية متطورة، بفضل القدرات الكبيرة التي ستنجم عن قيام الكيانات الاقتصادية الجديدة، مما يعني أيضاً خلق مزيد من فرص العمل للمهارات والتخصصات التي تتنامى في دول المجلس.
وبالإضافة إلى الجهود الثنائية، فإنه يمكن أن تكون هناك توجهات متعددة الأطراف، كما يمكن أن يكون للأمانة العامة لدول المجلس بعض المبادرات الاندماجية وطرحها على القطاعين الحكومي والخاص، إذ من الممكن أن يشكل ذلك بنداً جديداً ومهماً لعمل الإدارة الاقتصادية في الأمانة العامة، مع إمكانية الاستعانة بمؤسسات متخصصة في هذا المجال، مما سيعمّق هذا التوجه الخليجي الواعد للتنمية، ولإقامة السوق الخليجية المشتركة.

*خبير ومستشار اقتصادي