«أنت فاشل»، هذا الخطاب «النووي» القصير الذي لا يتجاوز مركَّباً لغوي من كلمتين، إلا أنه كفيل بأن يحدِث دماراً نفسياً يوازي أثرَ زلزال قوي على غابة مطيرة، هشة التربة، خضراء يانعة تتوق للتمدد عالياً، راقصةً مع خيوط الشمس، وتظل هكذا حتى تأتي عاصفة السلبية محطِّمةً لأغصانها الغضة، وفارشةً حصيرةً صفراء بائسةً، بدلاً من ذلك الوشاح الأخضر الذي ينعش الروح بمنظره، ويطرب الآذان بحفيفه الناعم إذا ما حان وقت مرحه المعتاد مع نسمات الهواء العليلة. 
إن الإنسان الذي يعيش في هذه الحياة يتنفس في كل دقيقة هواءً مجبولاً بـ «المحاولة» و«التحدي»، فيقوم جسدُه - على سبيل المثال - بكل ما أوتي من قوة بالتكاتف من أجل ديمومة الحياة، فتجذب الرئتين ما استطاعت من الهواء العليل وبطرد نقيضه، ويحتضن القلبُ قطرات الدم الصافي بقوة، ثم ينتفض مرسلاً مع كل قطرة رسائلَ في المحبة والحياة المتجددة لكافة زوايا وأجزاء وخلايا ذلك البدن. 
وفي اتجاه موازٍ، يسعى الإنسان في رحلته المعرفية كلَّ لحظة لبناء هيكل تصميمي محكم مِن أجل الوصول للجديد والمبتكر، فإما أن تتكلل تلك المساعي بما نسميه «النجاح» أو أن تنتهي لما نصفه بـ «الفشل»، وقد آثرت التعبير عن هذين المصطلحين بصورة غير مطلقة بالكامل لما يترتب عليهما من تأثيرات تضرب في عصب الهمة والإرادة الإنسانية الباحثة عن الاستزادة المعرفية وتكوينها. 
وحيث إن النجاح في أي خطوة أو مرحلة معرفية لا يعني البتة إعلان الوصول إلى القمة أو الاكتفاء المعرفي أو امتلاك الأدوات في إصدارها الأخير وهيئتها المثلى، فإنه تجب الإشارة إلى ضرورة ملحة في رحلة التجميع والحصاد والتكوين المعرفي، مما يقتضي إعادة قراءة النجاح والفشل، وإحاطة كل منهما بإيضاحات موازية، لا سيما أن الحديث عن الفشل بشكل خاص يمثل عقدةً فكريةً وثقافيةً ونفسيةً ذات أبعاد متعددة، حيث إن الفشل مظلوم بهذه التسمية، في حين من الأجدى اعتباره محاولة أولى على طريق النجاح وليس انكساراً أو تحطماً للفكرة والأداء والمهارات.. إلخ.
وليس أدل على ذلك من ما ورد في السنة الشريفة من نصوص دلت على احتواء الإنسان بكل احتمالات سلوكياته الصائبة والخاطئة، حيث تتجلى عظمة الخالق سبحانه وتعالى، حين اقتضت حكمته «عدم إجازة الخطأ»، وإنما الاعتراف بأنه جزء من شخصية وتكوين الإنسان، وبالتالي فهو معرَّض للوقوع في الخطأ، سواء بقصد أو بلا قصد، وهذا بحد ذاته أكبر محفِّز للحث على الإمعان والانتباه لكافة القرارات والسلوكيات والتخطيط المسبق والمحكم لها، وفي الوقت ذاته عدم الاستسلام أو الوقوف عند مجرد وقوع الخطأ. 
وفي الإجابة على كل ذلك، فإن الصياغة الدقيقة لا بد أن تؤكد على أن كل إنسان يحاول ويصابر ذاته ويحتفظ بقوته النفسية الكامنة في محور مواجهة الصعوبات والتحديات، فهو إنسان ناجح يتجه إلى مستوى أكثر تطوراً وارتقاءً، سواء تكللت تجربته الحالية بالخروج بنتيجة ملموسة جديدة أم لا، أما الحديث عن الإنسان ونعته بـ «الفاشل» فذلك لا يكون إلا وصفاً قاسياً يعبر عن الإنسان الذي أفلت يديه وأرخاهما وأراحهما من عناء المحاولة، دون أن يدرك أن عناء الاستسلام أدهى وأَمَرّ.

*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة