الفوضى التي تتسبب بها وسائل التواصل الاجتماعي تستدعي منا الحذر من كل ما يُنشر من أخبار أو معلومات أو صور، وخصوصاً تلك الموجهة منها لغايات ومآرب خبيثة، والتي تميز بها ما يُعرف اليوم باسم «الذباب الإلكتروني» الذي يعمل لأجندات عدة تهدف إلى خلق حالة البلبلة وعدم الاستقرار في المجتمعات، من خلال نشره شائعات وأكاذيب وإثارة الخلافات.
واللافت اتساع نشاط هذا الذباب ليصبح بمثابة حرب منظمة يقودها جيش يعمل خلف شاشات الكمبيوترات والأجهزة الذكية، مسخراً أسرابه في كل مواقع التواصل الاجتماعي ومستغلاً أي حدث أو أزمة لبث السموم لتعكير صفو الحياة العامة وخلق حالة من الفوضى بين الناس. وكثيرة هي الشائعات والحقائق المزيفة والتصريحات المجتزأة والصور والفيديوهات المسيئة التي كان وما يزال هدف الذباب منها التشهير أو تصفية الحسابات وغير ذلك من مآرب، وهو بذلك يستهدف معظم المجتمعات إنْ لم نقل كلها.
في المقابل، تحاول الأجهزة والمؤسسات المعنية التعامل مع مطلقي ومروجي الشائعات والأكاذيب والتهم من خلال تتبعهم وملاحقتهم، مع إطلاق الحملات التي تهدف إلى زيادة وعي الناس بخطورة انجرارهم وراء مساعي ذلك الذباب. ومن بين تلك الحملات التي شهدنا إطلاقها مؤخراً في الإمارات من خلال المكتب الوطني للإعلام (حملة مكافحة الذباب الإلكتروني)؛ لوضع حد لتجاوزات البعض، ولمواجهة الحسابات المزيفة التي تنشر معلومات مغلوطة أو ملفقة، وتبث الشائعات المغرضة.
كانت ردود الأفعال على الحملة إيجابية لإدراك الناس ضرورة التصدي لمحاولات زرع الفتنة والتفرقة بين شعوب دول مجلس التعاون على وجه الخصوص، مع رغبتهم الشديدة لوضع الجهات المعنية حداً للكم الهائل من الحسابات والأسماء المستعارة الموجودة في شبكات التواصل الاجتماعي، تلك التي يقف وراءها - أقل ما يقال عنهم - مخربون.
تلك الحملة تترجم حرص الدولة على تعزيز الأمن ونشر الاستقرار في كل دول المنطقة، إلى جانب إعلاء قيم التسامح ونبذ الشائعات والفتن، وذلك من خلال العمل على تطبيق المعايير المهنية، ونشر القيم الصحيحة، ومواجهة كل الأعمال التي تفضي إلى الإرهاب بكل أشكاله.
ثم إن التجاوب مع الحملة يرفع منسوب الأمل لدينا بوجود ضوابط وآليات تتصدى لمروجي الشائعات والأكاذيب، خصوصاً أن التصدي لهم يتطلب تضافر جهود المؤسسات الرسمية منها والأهلية والأفراد لقطع الطريق على كل من يحاول بث أفكار هدامة. وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن ضرورة التعامل مع هؤلاء بذكاء. فقبل سنوات، طالب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أبناء الإمارات بضرورة الالتزام بضوابط التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي؛ ليكونوا نماذج مشرفة لبلدهم.
ومع إيماننا المطلق بحتمية التطور وأهميته وضرورة مواكبتنا للعصر وأدواته التقنية، لكن لا يمكننا تجاهل التغيير الذي أحدثته مواقع التواصل على سلوكيات البعض، وانعكاس ذلك على محطيهم. ومع شديد الأسف، بدلاً من أن تكون مواقع التواصل الاجتماعي مكاناً لتبادل الأفكار الجيدة والخبرات والقيم الحميدة، أصبحت مرتعاً خصباً لضعاف النفوس الذين يتسببون في خراب نفوس كثيرين، خصوصاً الأطفال والمراهقين.
إن فضاء الشبكة العنكبوتية فسيح، وعدم تطبيق القوانين على مستخدميه، يجعله مرتعاً لأصحاب الأفكار المدمرة، وبالتالي من المهم ألا تتأخر مؤسساتنا، والإعلامية منها على وجه الخصوص، عن تبني حملات التوعية بمخاطر مواقع التواصل الاجتماعي التي يمكن أن تهدم المجتمعات.
آمل أن ننتهز كمجتمع الفرصة لمحاصرة الذباب الإلكتروني، ونحسن استغلال الفضاء الإلكتروني الذي أعتقد أنه وُجد بالأصل لخدمة البشرية، لكن عندما أُسيئ استخدامه تحول إلى سلاح يدمر الإنسان.