الحرب الإلكترونية ليست جديدة على عالم الصراعات الدولية، ولكنها تطورت بشكل هائل ومخيف مع التقدم التقني التكنولوجي الذي شهدته البشرية في العقود الأخيرة. هذه الحرب الإلكترونية تعتمد على الهجمات السيبرانية والتلاعب بالأنظمة الرقمية والمعلوماتية لتعطيل أو إلحاق الضرر بالخصم.

وتستخدم الحكومات والجيوش هذه الأجهزة في الصراعات المعاصرة، لشن هجمات دقيقة تؤثر على الأنظمة الحيوية دون الحاجة إلى تدخل عسكري مباشر. والأخطر من ذلك أنها ربما صارت متاحة للجماعات المسلحة والمنظمات الإرهابية. ويمكن تتبع بداية الحرب الإلكترونية إلى الحرب العالمية الثانية، حيث اعتمدت الدول المتحاربة على تقنيات الإشارة واعتراض الاتصالات وتطوير أنظمة تشويش الرادار. كانت هذه الممارسات البدائية تهدف إلى تعطيل التواصل بين قوات العدو وإعاقة قدرته على التنسيق والرد. وخلال الحرب الباردة ازداد التركيز على التجسس الإلكتروني واعتراض الإشارات بين الدول المتنافسة، وخاصة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. وتم تطوير أجهزة وبرامج متقدمة لاختراق الشبكات والتلاعب بها.

شهدت هذه الفترة تطوراً كبيراً في تكنولوجيا الاتصالات، مما زاد من أهمية الحرب الإلكترونية كأداة استراتيجية لشل حركة الخصم. ومع ازدياد الاعتماد على التكنولوجيا الدقيقة، بدأت الدول في تطوير أدوات أكثر تعقيداً لاختراق الشبكات، ولم تعد الحرب الإلكترونية مقتصرة على تعطيل الأنظمة، بل تطورت إلى عمليات تجسس إلكتروني واسعة النطاق.

وبعد ظهور الإنترنت والثورة الرقمية، ومع الثورة الرقمية بداية من التسعينيات، دخلت الحرب الإلكترونية مرحلة جديدة معقدة، وأصبح من الممكن استهداف البنية التحتية الحيوية للدول، مثل شبكات الطاقة والمياه والاتصالات، عن طريق هجمات سيبرانية، لذا أصبح الأمن السيبراني أحد الأولويات القصوى للدول والشركات الكبرى، إذ يمكن للهجمات الإلكترونية أن تؤدي إلى شلل كامل في البلد المستهدف.تطل علينا اليوم «الحرب الهجينة» التي تمتزج فيها الحرب السيبرانية بالحروب التقليدية، إذ تستخدم الهجمات الإلكترونية لتعطيل الأنظمة المالية والإعلامية، وحتى الأنظمة العسكرية للدول المستهدفة.

ويعتمد هذا النوع من الحرب على الاستهداف الدقيق للأنظمة الإلكترونية، مما يجعلها أداةً فعالة لتوجيه ضربات غير متوقعة دون الحاجة إلى التدخل الميداني. ولعل ما حصل في لبنان يوم 17 سبتمبر الماضي أمر غير متوقع، وهو مثال واقعي على خطورة الحرب الإلكترونية الهجينة، حيث تعرضت أجهزة الاتصال الخاصة بمقاتلي «حزب الله» اللبناني لانفجارات مفاجئة، وهي أجهزة «بيجر» التي كانت تستخدم لأغراض التواصل الداخلي، وقد أدت انفجاراتها إلى إصابة مئات الأشخاص بجروح بالغة​ أكثرها بالوجه واليدين.

وتشير التقارير إلى أن هذه الانفجارات كانت نتيجة لاختراق تقني عالي المستوى، حيث تم التلاعب بالأجهزة لإحداث انفجارات عند استخدامها. وهذه الهجمات جزء من عمليات حرب إلكترونية أوسع تستهدف تعطيل نظام الاتصالات وإلحاق أكبر قدر ممكن من الأضرار دون الحاجة إلى تدخل عسكري مباشر. والحرب الإلكترونية الجديدة (السيبرانية) تعتبر سلاحاً غير مرئي، لكنها قد تكون مدمرة هي كذلك، وعلى نحو أكثر دقة. ويمكن للهجمات السيبرانية أن تعطل شبكات الكهرباء، وأنظمة الاتصالات، وحتى البنوك والمؤسسات المالية، وقد بدأت العديد من الدول في تخصيص ميزانيات ضخمة لتطوير أنظمة دفاع سيبرانية لحماية بنيتها التحتية من الهجمات المحتملة. وما يزيد من خطورة الحرب الإلكترونية الهجينة، هو أن الهجمات يمكن أن تحدث في أي لحظة ودون سابق إنذار، ومن الصعب تحديد مصدر الهجوم بدقة، مما يصعِّب الردَّ أو اتخاذ إجراءات عقابية.

وإلى ذلك، يمكن لهذه الهجمات أن تسبب خسائر بشرية كبيرة إذا استهدفت البنية التحتية الحيوية. والحرب الإلكترونية الجديدة لم تعد مجرد أداة تكتيكية تستخدم في حالات النزاع، بل أصبحت جزءاً من الحروب الحديثة التي تعتمد على التكنولوجيا الرقمية المرعبة. ومع زيادة الاعتماد على الأنظمة الرقمية الدقيقة في الحياة اليومية، قد تصبح هذه الهجمات أكثر خطورةً وفتكاً وتأثيراً على الدول والمجتمعات، بعد أن تطورت التقنية الحديثة واستُخدمت لإلحاق الضرر والأذى.. ما يجعل من الحروب الهجينة خطراً يهدد البشرية جمعاء!

*كاتب سعودي