تشكل كل من الخبرة والملاحظة دوراً أساسياً ومحورياً في رحلة الاستقصاء نحو تشكيل المعرفة المبنية على الكم الوافي من المعلومات والمهارات. ولا يمكن غياب أي مِن الملاحظة والخبرة عند الحديث عن الأدوات الضرورية لتحصيل المعرفة، حيث إنهما تتداخلان في الخطوات والمراحل التي تدفع بالعملية الكلية لبناء وتكوين وبلورة المعرفة حسب طبيعتها، بالإضافة إلى تطوير تلك المعرفة والقدرة على تفسير وتحليل وفهم المجريات التي تحيط بالإنسان وهو يكوّن معارفَه.
أما فيما يتعلق بالخبرة على نحو خاص فمن الواضح أنها تعبّر عن مستوى مختلف من أطوار بناء المعرفة، حيث يبدو أغلب تفاعلاتها في السياق الواقعي العملي، البعيد عن التنظير المجرد، متداخلاً في مضمار التجربة والعمل، وبالتالي فإن الخبرة تعبّر عن مهارة متفوقة على مجرد الملاحظة، وبذلك تكون إحدَى الأدوات التي يمتلكها الإنسان بعد خوضه العديد من التجارب ومروره بالكثير من المراحل التي قد يقع في الكثير منها ذلك التكرار الذي يفسر إنضاج الخبرة نفسه كأساس لبناء المعرفة. كما تعمل الملاحظة على تمكين الإنسان من جمع المعلومات وامتلاك إطار من المعطيات الكافية لفهم الظاهرة التي تقابله، وذلك انطلاقاً من الحالة التفاعلية بين الإنسان كذات مدركة وبين مجال ملاحظته، لا سيما أنها تعتبر الأداة المستخدمة في سبيل الوصول إلى حل المشكلات ومعالجة التحديات وكإطار لجمع المعلومات الدقيقة حول موضوع معين.. وغير ذلك من الأمور والمراحل التي تصب مجتمعةً في تكوين المعرفة العلمية حول موضوع أو تخصص أو مجال معين.
وحين كانت الخبرات تعبّر عن المعارف والمهارات المجموعة التي يحصدها الإنسان على طول مسار حياته المشحون بالتفاعلات والتجارب المختلفة مع بيئته المحيطة، وكانت هذه الخبرات تحمل بين طياتها تنوعاً هائلاً، سواء أكان لجهة أصناف المعلومات أو المجالات المعرفية، فإنها شكلت عماداً رئيسياً في تطوير مهارات الإنسان وقدراته وتمليكه الأدوات التي تجعله قادراً على فهم ما يجري حوله. وبالتركيز على الخبرة في حد ذاتها، فإنها تلعب دوراً بارزاً في تطوير مهارات الإنسان التي تجعل منه عنصراً نافعاً وقابلاً للإنتاج في مجال عمله، كما أن الخبرة تعتبر أحد أبرز النقاط التي ينجذب لها أصحاب الاحتراف في العمل، لا سيما أنها تحدد أكثر المسارات نفعاً وجدوى بحسب مجال الخبرة وطبيعتها.
وحتى تكون الخبرة الإنسانية أكثر صلةً وفائدةً في مختلف المجالات، فلا بد من إشباعها بتغذية مستدامة من أجل تجويدها والارتقاء بها، مثل المهارات العملية التي تعمل بدورها على تعزيز الأداء والارتقاء بالمعلومات الإدارية والفنية للتخصص. وهذا إلى جانب تطوير المهارات الشخصية المتعلقة ببيئة العمل على سبيل المثال، بحيث يكون الإنسان (صاحِبها) قادراً على تطويع مهارات القيادة والتواصل، وبالتالي فإن اللجوء إلى البرامج التدريبية المختلفة التي تسعى لشحذ الخبرة الإنسانية يعد مثالاً متميزاً يؤهل الخبرة للتطور والتجدد والتوسع في نطاق المعرفة الريادية والابتكارية.
*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة