اختلفت تقديراتُ المراقبين في الولايات المتحدة وخارجها بشأن نتيجة مناظرة ترامب وهاريس الأسبوع الماضي. لكن لم يُزعم أن أحدَهما حقق فوزاً ساحقاً بخلاف ما حدث في مناظرة 27 يونيو الماضي التي ظهر فيها ضعفُ اللياقة الذهنية لدى المرشح جو بايدن الذي انسحب بُعيدها من السباق الرئاسي.
والملاحظ أن انحيازات بعض المراقبين ووسائل الإعلام أسهمت في تقييماتهم التي بدت، والحالُ هكذا، أقرب إلى تفكيرٍ مدفوعٍ برغبةٍ أو أُمنيةٍ Wishful Thinking. وينطبق هذا على مَن قالوا إن هاريس تفوقت، ومن رأوا أن أداء ترامب كان أفضل. لكن حين نُنحي جانباً أيَّ انحيازٍ، ونتأملُ ما حدث في المناظرة بشيءٍ من التجرد، نصلُ إلى أنها انتهت إلى تعادل الطرفين. ويعتمدُ هذا الاستنتاجُ على ثلاث معطيات:
أولُها أن أياً من المرشحَيَن لم يقدم جديداً من الناحية الموضوعية، ولا أضاف ما يمكنُ الوقوف عنده، ولا طرَحَ رؤيةً واضحةً للسياسة التي سيتبعُها حال فوزه. ولم نجد بالتالي ملامح برنامجٍ، سواء أكان «جمهورياً» أم «ديمقراطياً»، للسنوات الأربع المقبلة التي تبدأ في 20 يناير 2025. لقد انشغل كلُ من المتنافسَين بالسعي إلى كشف نقاط ضعف منافسه أكثر مما سعى إلى إظهار نقاط قوته هو. كانت تحدياً متبادلاً أفقدَ المناظرةَ أهم وظائفها، وهي تعريفُ الناخبين بما لا يعرفونه عن الطريقة التي يفكرُ بها كلٌّ من المرشحَين، والتفاصيل المتعلقة بمواقف سبق أن أعلناها.
لم توضح هاريس مثلاً كيفية تدبير الموارد الضخمة اللازمة للإنفاق الاجتماعي الواسع النطاق الذي تَعدُ به في معظم خُطبها لجذب العمال وذوي الدخول المحدودة إلى صفها. ولم يشرح ترامب مثلاً خطتَه لوقف حرب أوكرانيا وغزة اللتين تحدَّث مراراً عن قدرته على إنهائهِما «على الفور» وقال إنهما ما كانتا تنشبا لو أنه مَن يحكم.
والمُعطى الثاني أن كلاً من المرشحَين بدا في بعض فترات المناظرة كما لو أنه «روبوت» يُرددُ كلاماً بُرمِجَ مُسبقاً، الأمر الذي أفقد المناظرةَ حيويتَها. وربما يجوز تفسير هذا الأداء «الروبوتي» بالإفراط في التدريب قبيل المناظرة، إذ أمضى كلٌ منهما أياماً في الاستعداد لها. ولم يقتصر ذلك على الاستماع لنصائح المساعدين والمستشارين، بل شمل كذلك تدريباً عملياً اعتمد على أسلوب المحاكاة Simulation في استوديو يشبهُ ذلك الذي أُجريت فيه المناظرة.
أما المُعطى الثالث فهو أن المناظرةَ أُجريت فعلياً بين مساعدِي المرشَحَين ومستشارِيهما أكثر مما كانت بين المرشحَين نفسَيهما. فقد طغى الالتزامُ بما طُلب منهما على أدائهما. وعلى سبيل المثال ظهر ترامب هادئاً على غير المُعتاد، وتَجنَّب الهجومَ الشخصي الذي لوحظ في الأسابيع الأخيرة أنه يُنفرُ بعض الناخبين الذين يُمكنُ أن تكون مواقفُه أقرب إليهم. كما أفرطت هاريس في محاولة الخروج مِن عباءة إدارة بايدن، سعياً لتقليل أثر تركيز حملة ترامب على أنها موجودةٌ في الإدارة منذ يناير 2021، ولم تُحاول فِعلَ شيء مما تَعدُ به الآن.
ولهذا سيشتعلُ التنافسُ في الأسابيع القليلة الباقية، وستبقى النتيجةُ متوقفةً على التصويت في بضعة مقاطعات في الولايات السبع المتأرجحة التي يشتدُ هذا التنافسُ فيها.