تمثِّل زيارة سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، إلى الهند مرحلة جديدة من التعاون بين الهند والإمارات العربية المتحدة. فالأسبوع الماضي، قام سموه بزيارة للهند، تلبية لدعوة من رئيس الوزراء ناريندرا مودي، وهي الأولى له إلى نيودلهي بصفته ولياً للعهد. وقد رافقه خلالها عدد من الوزراء وكبار المسؤولين، ووفد من كبار رجال الأعمال.
وتشهد العلاقات بين الهند والإمارات زخماً متصاعداً منذ ما يزيد على عقد من الزمان. وفي إحدى أقوى لحظات هذه الزيارة، وقّعت الهند والإمارات مذكرة تفاهم بشأن التعاون النووي المدني، وقد تم توقيعها بين «شركة الطاقة النووية الهندية المحدودة»، و«مؤسسة الإمارات للطاقة النووية» بشأن صيانة محطة براكة للطاقة النووية وتشغيلها. وتنسجم هذه الاتفاقية مع سياسة الإمارات في توسيع نطاق الاستثمارات لتشمل قطاع الطاقة النووية، وهي لا تهدف فقط إلى تعميق التعاون في مجال الطاقة، ولكن أيضاً إلى توسيع نطاق التعاون الحالي القائم ليشمل مصادر الطاقة النظيفة، وهو ما يعطي مؤشراً على الوجهة التي تتجه إليها العلاقات بين البلدين. كما ناقش البلدان العلاقات متعددة الأوجه بين البلدين و«سبل توسيع الشراكة الاستراتيجية الشاملة لتشمل مجالات جديدة وناشئة». وبالتالي، يمكن القول إن هذه الزيارة ضمنت توسيع نطاق التعاون الحالي إلى جانب إضافة مجالات جديدة للتعاون.
وفي تطور مهم آخر، وقّع الجانبان أيضاً مذكرة تفاهم لتوريد الغاز الطبيعي المسال. فبموجب اتفاقية مدتها 15 عاماً لتوريد الغاز المسال بين «شركة بترول أبوظبي الوطنية»، و«مؤسسة النفط الهندية المحدودة»، يعتزم الجانبان توريد مليون طن متري سنوياً من مشروع الرويس للغاز منخفض الكربون التابع لشركة أدنوك. وتشير هذه الاتفاقية طويلة الأجل إلى أن البلدين يخططان لتعاون طويل الأجل في قطاع الطاقة. ومن أهم نتائج الزيارة أيضاً اتفاقية بين حكومة ولاية غوجارات الهندية وشركة أبوظبي التنموية القابضة «ش.م.ع» بشأن تطوير مجمع للصناعة الغذائية في الهند، وذلك في إطار تعاون يمتد إلى خارج الهند والإمارات.
زيارة ولي عهد أبوظبي شهدت أيضاً إطلاق العديد من مجالات التعاون الجديدة بين البلدين، ما يؤكد متانة العلاقات بين البلدين. كما يؤكد أن الجانبين يشكلان أيضاً جزءاً من أشكال أخرى للتعاون متعدد الأطراف، إذ شهدت الزيارة إعطاء إشارة انطلاق أشغال تنفيذ الممر التجاري الافتراضي الهندي الإماراتي، ويتعلق الأمر بالممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، الذي يهدف إلى إقامة ربط بحري بين الهند وميناء جبل علي في الإمارات، حيث سيتم نقل البضائع عبر السكك الحديدية ومنها إلى أوروبا عن طريق البحر. ويهدف الممر التجاري الافتراضي إلى تسهيل التجارة، وتقليل الإجراءات الإدارية لتقليل تكلفة الخدمات اللوجستية والنقل.
وتشهد العلاقات بين الهند والإمارات زخماً كبيراً منذ 2015، وهي السنة التي قام فيها ناريندرا مودي بأول زيارة لرئيس وزراء هندي إلى الإمارات منذ 34 عاماً. وتلك هي الفترة التي ارتقت فيها العلاقات الثنائية بين البلدين إلى مستوى شراكة استراتيجية شاملة، إذ وقع البلدان اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة في أوائل 2022. وبعد ذلك تم وضع نظام تسوية بالعملة المحلية في منتصف 2023 لتعزيز استخدام الروبية الهندية والدرهم الإماراتي لإجراء المعاملات بالعملتين المحليتين.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين الهند والإمارات 84 مليار دولار في 2023-2024، ما يجعل الإمارات ثالث أكبر شريك تجاري للهند بعد الصين والولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، تُعد الإمارات ثاني أكبر وجهة تصدير للهند بعد الولايات المتحدة بمبلغ يناهز 36 مليار دولار في 2023-2024. وتقدَّر استثمارات الإمارات في الهند بين 2000 و2023 بما بين 20 و21 مليار دولار، 18.5 مليار دولار منها هي على شكل استثمارات أجنبية مباشرة في حين يتوزع المبلغ المتبقي على استثمارات في محافظ استثمارية. وفي 2023-2024، كانت الإمارات سادس أكبر مستثمر أجنبي مباشر في الهند. كما التزمت باستثمار 75 مليار دولار في قطاع البنية التحتية في الهند.
ومما لا شك فيه أن العلاقات بين البلدين الصديقين لا تزداد إلا متانة. فبالنسبة للهند، تُعتبر الإمارات مهمة جداً ليس فقط بسبب أمن الطاقة الذي تمثِّله، ولكن أيضاً بسبب رأس المال البشري بالنظر إلى وجود الملايين من الهنود في المنطقة. وبالنسبة للإمارات، تعد الهند اقتصاداً نامياً ذا طلب متنام على الطاقة وحضور عالمي متزايد. ولهذا، فإن تعميق العلاقات مفيد لكلا البلدين.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي