تخيل أنك تقترض مني مليون دولار، ثم قمت بحرقِ منزلك وسرقةِ سيارتك حتى لا تتمكن من القيادة إلى العمل بعد الآن. ثم أعرض عليك فترة إعفاء مدتها عام واحد من دفع الديون في محاولة لمساعدتك على استعادة حياتك، بينما أصر على أن يتم سداد الدين بالكامل مع إضافة الفائدة المؤجلة إلى المبلغ الأساسي.
على مقياس من 1 إلى 10، حيث يمثل الرقم 10 «الأكثر سخاءً» ربما ستُصَنَف هذه الصفقة على أنها «اذهب مباشرة إلى السجن». ولكنها ليست بعيدة عن الصفقة التي تعرضها الولايات ودول غنية أخرى على الدول منخفضة الدخل التي توجد على الخطوط الأمامية لتغير المناخ.
لقد قامت دولة جرينادا الصغيرة الواقعة في منطقة البحر الكاريبي مؤخراً بتفعيل ما يسمى «بند الإعصار» في سنداتها والذي يسمح لها بتأجيل المدفوعات لمدة عام، مما يمنحها بعض الوقت للتنفس بعد الدمار الذي خلفه إعصار «بيريل». إن حاملي السندات راضون إلى حد كبير عن هذا الترتيب لأنه، كما يشير «جريج ريتشي» من بلومبرج نيوز، «إن بند الإعصار الذي قامت جرينادا بتفعيله يؤجل فقط مدفوعات أصل الدين. لكن تكاليف خدمة ديونها الإجمالية ستزيد على مدار فترة السند من حيث القيمة الاسمية لأن الفائدة المؤجلة تضاف إلى أصل الدين، مما يخلق مدفوعات فائدة مستقبلية أكبر». 
هل يعتبر هذا ربحاً للطرفين؟
لا تكمن المشكلة هنا في حاملي السندات، الذين يزودون جرينادا برأس المال الذي تحتاج إليه لإعادة البناء. فقد ألحق إعصار «بيريل» الضرر بجزيرة كارياكو، التي يقطنها نحو عشرة آلاف شخص، وتسبب في تقليص الناتج المحلي الإجمالي لجرينادا بنحو الثلث. كما تسببت الضربة المزدوجة التي أحدثها إعصارا «إيفان» و«إميلي» في عامي 2004 و2005 على التوالي في ضائقة مالية للبلاد لمدة عقد من الزمان، بما في ذلك التخلف عن السداد، وألهمها تبني بند الإعصار في عام 2015. إن الدائنين من القطاع الخاص يخاطرون ويتعين عليهم الحصول على مقابل لذلك.
والأمر الأكثر أهمية هو أن حاملي السندات السيادية هؤلاء لم يمثلوا سوى 11% من ديون جرينادا الخارجية البالغة نحو 650 مليون دولار أميركي حتى نهاية عام 2023. وكان نحو ثلثي إجمالي ديونها مملوكين لدائنين «متعددي الأطراف»، وأكبرهم مؤسسة التنمية الدولية التابعة للبنك الدولي. أما الدائنون الثنائيون، وأكبرهم الصين، فيمتلكون نحو 17%.
وبعبارة أخرى، فإن اثنين من أكبر المقرضين لجرينادا هما أيضاً من أكبر الملوثين بالكربون في العالم - الولايات المتحدة، التي تعد أكبر مساهم في البنك الدولي، والصين. في الواقع، في جميع أنحاء العالم، فإن الدول النامية الأكثر عرضة لخطر المعاناة من أحداث الطقس القاسية مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب تكون غالباً مدينة لنفس البلدان التي أنتجت معظم الغازات الدفيئة والتي تشوه المناخ.
وعلى الرغم من وقوع جرينادا في مسار الأعاصير المدارية التي تعبر المحيط الأطلسي، إلا أنها كانت خالية من الأعاصير بين عامي 1970 و2004. ولكن ثلاثة أعاصير ضخمة على مدى العشرين عاماً الماضية أثرت بشكل كبير على شعبها واقتصادها وقدرتها على سداد الديون. وقد تصبح الأعاصير أكثر تواتراً وبالتأكيد أكثر قوة مع ارتفاع حرارة الكوكب. فالمياه الأكثر سخونة في المحيط توفر الفرصة لتقوية العواصف بسرعة، مما ساعد على تحول «بيريل» إلى أقوى إعصار من الفئة الخامسة في وقت مبكر جداً على الإطلاق (كانت الرقم القياسي السابق من نصيب «إيميلي»). تواجه دول أخرى مستقبلاً مليئاً بتزايد الجفاف والمجاعات والفيضانات وحرائق الغابات والأمراض، وأكثر من ذلك.
واعترافاً بدورها في التسبب بهذه المشكلة، تعهدت الدول الغنية منذ عام 2009 بتقديم 100 مليار دولار سنوياً للدول منخفضة الدخل لمساعدتها على مواجهة والتكيف مع تغير المناخ. وقد حددت هذه الدول عام 2020 كموعد نهائي لتحقيق هذا الهدف. لكنها تأخرت بضع سنوات، ولم تحقق الهدف حتى عام 2022.
ومن المفارقات أنه حتى عندما كانت أغنى دول العالم تجمع على مضض مبلغ 100 مليار دولار في عام 2022، كانت الدول الأفقر تدفع 70 مليار دولار كمدفوعات لخدمة الديون، وفقاً لتقديرات مؤسسة بروكينجز، وهو معدل من المرجح أن يستمر حتى عام 2025 على الأقل. وبقدر ما كانت الدول الفقيرة تحصل على تمويل، كانت تعيد معظم هذه الأموال إلى الدائنين. وغالباً ما كانت تستغل موارد الوقود الأحفوري لجمع الأموال.
في العام نفسه، قدمت الدول ذات الدخل المرتفع دعماً صريحاً وضمنياً للوقود الأحفوري بقيمة 2.3 تريليون دولار، وفقاً لصندوق النقد الدولي. وساهمت الصين بمبلغ إضافي قدره 2.2 تريليون دولار. وفي المجمل، قدم العالم 7 تريليونات دولار لصناعة تحقق أرباحاً قياسية.
هذه الأولويات ليست جيدة إلى حد كبير. فإلى جانب عدم أخلاقية الاستمرار في تمويل شغف البشرية بإطلاق غازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري، فإن الدول الغنية لديها أسباب عملية لتغيير هذا التفاوت الصارخ بين دعم النفط وتمويل المناخ رأساً على عقب.
إن الدول النامية تريد وتستحق نفس الازدهار الاقتصادي والمياه النظيفة وتكييف الهواء الذي تتمتع به الدول الغنية. تلك الدول الغنية التي تعرب عن قلقها بشأن تغير المناخ - وجميعها يفترض أن تكون كذلك - سترغب في أن تطور الدول الفقيرة نفسها بطرق لا تزيد من تفاقم الاحتباس الحراري. وهذا من شأنه أن يرفع تكاليف مكافحة تغير المناخ والتكيف معه إلى مستويات أعلى كثيراً.
والدول التي تفتقر إلى بنية تحتية اجتماعية ومادية كافية ليست مستعدة للتعامل مع الظواهر الجوية المتطرفة القادمة. لقد كانت بلدان مثل سوريا وأميركا الوسطى بالفعل مصدراً للهجرة الناجمة عن تغير المناخ إلى أوروبا والولايات المتحدة، مما أعاد تشكيل سياساتها بطرق عميقة ومقلقة. وهذا مجرد لمحة عن الاضطرابات القادمة إذا لم نساعد هذه الدول على التكيف.
إضافة بنود الإعصار على حاملي السندات قد تساعد في بعض الحالات، لكنها ليست حلاً. يجب على الدول الغنية أن تستثمر أكثر بكثير في العالم النامي، ويجب عليها إعادة هيكلة وإلغاء الديون، خاصة تلك المرتبطة بمشاريع النفط والغاز. وينبغي أن نقدم الإغاثة المستقبلية والمساعدات المالية الأخرى على شكل منح، وليس كقروض تزيد من الأعباء المالية الثقيلة بالفعل. نظراً لأننا جميعاً نعيش على الكوكب نفسه، عندما نشعل النار في منزل دولة أخرى، فإننا أيضاً نحرق منزلنا الخاص.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»