من الواضح أن دور الإمارات مؤثر في التنمية الإقليمية والدولية، ليس فقط بسبب موقعها وسياساتها وبيئتها الملائمة للأعمال، إنما أيضاً لتمتعها بقدرات لوجستية مهمة في كافة موانئها المصنفة كأكبر مناول للحاويات في منطقة الشرق الأوسط، وتمكّنها من نقل كميات كبيرة من البضائع التي يمكن أن تستخدم في دمج الطرق البرية مع الممرات الملاحية في «مبادرة الحزام والطريق» التي أطلقتها الصين عام 2013، وتدور حول التنمية والارتقاء المشترك بما ينعش اقتصاد جميع الأطراف في بلدان الإقليم عبر تدفق المزيد من الصفقات التجارية والاستثمارية لصالح دول المنطقة، لتكون المبادرة مستقبلاً جسراً يعزز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين نحو 75% من سكان العالم.
وفي القمة التاسعة للمبادرة التي جاءت بعنوان «بناء حزام وطريق متصل ومبتكر وأخضر» وانعقدت الأسبوع الماضي في هونغ كونغ، شاركت الإمارات بهدف تعزيز التعاون التجاري والاستثماري على مستوى القطاعين الحكومي والخاص، واستكشاف المزيد من الفرص التجارية، وبناء الشراكات التنموية في قطاعات الاقتصاد الجديد والتكنولوجيا المتقدمة وريادة الأعمال.
والقمة التي سلطت الضوء على التنمية الخضراء والابتكار، تكتسب فيها التكنولوجيا المتقدمة أهمية متزايدة لبناء اقتصاد المستقبل، وهو ما تركز عليه الإمارات. وقد ركزت جلسات الشرق الأوسط في القمة على زيادة التعاون في مجالات الخدمات اللوجستية وفتح آفاق واسعة تشتمل على توفير فرص جديدة وواعدة في سوق المنطقة. وتنعكس مشاركة الإمارات ودعمها للمبادرة إيجاباً على زيادة التجارة ومشاريع البنية التحتية والنقل وتقليل كلفة الاستثمار مما سيفتح المجال أمامها لتأسيس شراكات اقتصادية وتجارية جديدة.
ومنذ إطلاق المبادرة تعتبر الإمارات شريكاً فاعلاً فيها لكونها تتماشى مع توجهات مئويتها. فقبل عامين أدخلت عدداً من الشراكات الاقتصادية، وزاد دعمها لحركة إعادة التصدير التي تشكل ركناً أساسياً في تجارتها، وهي التي تسهم بحوالي 30% من تجارتها غير النفطية. وبالتزامن مع القمة أيضاً، عُقد منتدى الأعمال الإماراتي- الصيني في دبي، والذي بحث سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية وتحفيز الاستثمارات المشتركة بين البلدين.
وكي تحقق الإمارات موقعاً متقدماً في المبادرة، نفذت عدداً من المشاريع الكبرى، كالحديقة النموذجية للتعاون في مجال القدرات الصناعية الصينية الإماراتية، والمرحلة الثانية من محطة الحاويات في ميناء خليفة، ومحطة دبي للطاقة الكهروضوئية والحرارية. وفي ظل كل ذلك، تشهد العلاقات الإماراتية-الصينية تطوراً مستمراً وملحوظاً.
فالإمارات - كما هو معلوم - تولي أهمية كبرى لتقوية شراكتها مع الصين من جهة تعزيز الروابط التجارية والاستثمارية معها، والأرقام تفصح عن المستوى التي وصلت إليه. فقد حافظت الصين على موقع الشريك التجاري الأول للإمارات في تجارتها غير النفطية خلال عام 2023، مستحوذة على 12% من تلك التجارة التي بلغ حجمها 296 مليار درهم، أي بنسبة نمو 4.2% مقارنة بعام 2022. كما حققت الصين المركز الأول من جهة واردات الإمارات التي وصلت إلى 18%، وتحتل كذلك المرتبة ال11ـ في صادرات الإمارات غير النفطية وبنسبة تصل إلى 2.4%، والمرتبة ال8 في إعادة التصدير بنسبة 4%. وبين 2003-2023، وصلت التدفقات الاستثمارية الإماراتية في الصين إلى 11.9 مليار دولار، فيما بلغت التدفقات الاستثمارية الصينية في الإمارات 7.7 مليار دولار.
إن الميزات التنافسية التي استطاعت الإمارات تحقيقها بين دول المنطقة والعالم وضعتها في مكانة لا يستهان بها. ولا شك أن «مبادرة الحزام والطريق» ستسهم في تعزيز قوتها كمركز عالمي للتجارة السلعية والخدمات اللوجستية، وهو ما يرسخ حضورها كنقطة اتصال استراتيجية بين آسيا وأوروبا وأفريقيا.