شهد كوكبنا أكثر صيف حرارة على الإطلاق، ويبدو أن عام 2024 سيصبح أيضاً أكثر الأعوام حرارة منذ بدء تسجيل البيانات.
إننا نرى تأثير هذا الاحترار بآلاف الطرق: شهدت مدينة فينيكس هذا العام 100 يوم بدرجة حرارة 100 فهرنهايت أو أكثر، وتقلص الجليد في القطب الشمالي إلى ما دون المتوسط، وفي بعض الأماكن، سقطت القرود والخفافيش من الأشجار بسبب الحرارة.
إننا نميل إلى التركيز على المخاطر الكارثية المرتبطة بالتغير المناخي - مثل ذوبان القمم الجليدية القطبية، ارتفاع مستويات البحار بشكل كبير، وتحول كوكبنا إلى مكان غير صالح للسكن - وهذه المخاطر حقيقية. ولكن على مدى العقود القليلة الماضية، جمعنا أدلة تشير إلى أن تأثيرات الحرارة الأكثر ارتباطاً بمعيشتنا أصبحت بالفعل واقعاً يلامس حياتنا اليومية. على سبيل المثال، المزيد من الناس يسقطون من السلالم في الأيام الحارة مقارنة بالأيام الباردة. كما أنهم أكثر عرضة للانتحار أو قتل شخص آخر.
في الوقت نفسه، فإن تحصيل الطلاب للدروس يقل في الأيام الحارة. ويكون أداؤهم أسوأ في الامتحانات. وبعد الكوارث الطبيعية، يكون الطلاب أقل احتمالاً للالتحاق بالجامعة. بعبارة أخرى، فإن الطقس القاسي لا يضر بالممتلكات فحسب، بل يلحق أضراراً أيضاً برأس المال البشري.
يقول «آر. جيسونج بارك»، الخبير الاقتصادي بجامعة بنسلفانيا، في كتابه «الحرق البطيء»: «قد يكون التصور الكارثي المعتاد للتغير المناخي يفتقر إلى بعض من أهم ملامح القصة الحقيقية للتغير المناخي».
ويجادل بارك بشكل مقنع بأننا ركزنا كثيراً على السيناريوهات المروعة، ولم نركز بما فيه الكفاية على العواقب الأخرى للتغير المناخي.
تشير أبحاث بارك إلى أنه إذا لم نفعل المزيد لمواجهة تأثير درجات الحرارة على التعليم، فإن ارتفاع درجات الحرارة قد يقلل من تعلم الطلاب في الولايات المتحدة بحوالي 10% على مدار العام. ونظراً لأن الطلاب السود واللاتينيين يعيشون بشكل غير متناسب في مناطق أكثر حرارة في البلاد، ويلتحقون بمدارس بها تكييف هواء أقل، يبدو أن ارتفاع درجات الحرارة يزيد من فجوة التعليم، وفقاً لبارك.
ثم هناك حرائق الغابات. نحن نركز على الأضرار الفورية التي تسببها الحرائق، مثل وفاة 20 إلى 30 شخصاً في أميركا سنوياً بسبب حرائق الغابات. ولكن الحرائق المرتبطة بالتغير المناخي تعرِّض المزيد من الناس للدخان الذي قد يتسبب في وفاة عدد أكبر بكثير.
ويرتبط تلوث الهواء بالفعل بما يقدر بـ 7 ملايين حالة وفاة عالمياً كل عام، وذلك أساساً من خلال المساهمة في أمراض القلب والجهاز التنفسي والسرطان. ويقدر الباحثون أن دخان حرائق الغابات في الولايات المتحدة يتسبب في وفاة 5000 إلى 15000 شخص سنوياً - ومع ذلك لا تحظى هذه الوفيات بالاهتمام لأننا لا نرى لقطات درامية للنيران التي تثير مخاوفنا. قد يظن الناس أن أحباءهم ماتوا بسبب أمراض القلب أو الشيخوخة، ولكن قد يكون سبب آخر هو التغير المناخي.
وقد يؤثر التغير المناخي أيضاً على معدلات الجريمة، حيث يجد الباحثون أن جرائم القتل والاعتداءات المشددة والاغتصاب تكون أكثر شيوعاً عندما ترتفع درجات الحرارة. وقد قدر أحد الباحثين أن ارتفاع درجات الحرارة بسبب التغير المناخي قد يؤدي إلى 1.6 مليون حالة إضافية من الاعتداءات المشددة و200000 حالة اغتصاب إضافية في الولايات المتحدة خلال هذا القرن.
ونحن نعلم أيضاً أن درجات الحرارة المرتفعة تؤثر على إنتاجيتنا. فقد وجدت دراسة بريطانية أن الضابط البحري يرتكب في المتوسط 11 إلى 12 خطأ في الساعة عند ترجمة شفرة مورس عندما تكون درجة الحرارة بين 85 و90 درجة فهرنهايت، ولكن يرتكب 95 خطأ في الساعة عندما ترتفع درجة الحرارة إلى 105 درجات.
حتى الرياضيين المحترفين يتأثرون. وجدت دراسة أن لاعبي التنس يرتكبون أخطاء مزدوجة أكثر عندما ترتفع درجات الحرارة إلى 95 درجة، وتصبح المباريات أقصر. ولكن تذكروا دائماً أن المناخ معقد.
قبل 12 عاماً، كان العلماء قلقين من احتمال ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 4 درجات مئوية بحلول عام 2100 مقارنة بالفترة الصناعية، بينما يبدو الآن أن الزيادة قد تكون حوالي 2.5 درجة أو أقل (وهو لا يزال قاتلاً وغير محتمل على الإطلاق).
بالإضافة إلى ذلك، يلاحظ الباحث والكاتب «بيورن لومبورج» أن عدداً أكبر بكثير من الأميركيين يموتون من البرد أكثر من الحرارة، لذلك قد يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى انخفاض صافٍ في عدد الوفيات بين الأميركيين. ولكن على المستوى العالمي، يقول بارك إنه يتوقع أن «التغير المناخي غير المحدود سيؤدي إلى زيادات كبيرة في معدلات الوفيات».
ووجهة نظري أنه يجب علينا تبني هذه الفروق الدقيقة. فنحن لسنا في حاجة إلى تضخيم المخاطر أو خلق كوابيس، لأن لدينا الآن أدلة وفيرة على أن الاحترار حتى بمستوياته الحالية يلحق أضراراً جسيمة بجنسنا البشري (وليس فقط بالقرود والخفافيش التي تسقط علينا).
لقد كتبت عدداً من المقالات المروعة حول المناخ، من «انفجارات الميثان» إلى تحمض البحار الذي يذيب بعض العوالق النباتية التي تشكل أساس السلسلة الغذائية. هذه مخاوف مشروعة. لكن السيناريوهات الكارثية لم تعيدنا إلى رشدنا، ولا ينبغي لنا أن نسمح لها بتشتيت انتباهنا عن التحدي المباشر: إذا سمحنا باستمرار الاحترار، فسيكون المزيد من الناس ضحايا للجريمة، وسيتعلم الأطفال أقل، وسينزلق المزيد منا عن السلالم.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»