يُعرف التعصب الرياضي بأنه أحد السلوكيات السلبية، وهو تعبير عن شعور داخلي يتمثل في إطلاق الأحكام المسبقة، مما يتجسد في أساليب وممارسات ومواقف تتسم بالغضب والحدة والانحياز لطرف ضد آخر، مع إظهار التزمت والشدة بحق الآخر والتقليل من إمكانياته إلى حد التنمر وابتداع سرديات وأوهام تؤجج الخلافَ وتُفاقِمه إلى مستويات غير محمودة، فيرى الإنسانُ المتعصبُ نفسَه دائماً على حق، متهِماً الطرفَ المقابل المنافس له بالقصور وبالخطأ دون إبداء أسباب مقنعة تذكر.. وهذا مما يتسبب عادةً في تَكوّن شعور لدى الطرف الآخر بالتعرض للإجحاف والإهانة، في جو مشحون بالتوتر والتزمت والتضايق، وساط تجاهل كل طرف لحقوق الطرف الآخر وجهده ومكانته، وفي ظل حالة مِن عدم تقبل النقد الموضوعي، خاصةً مِن جانب الطرف الذي يتعرض للخسارة على يد خصمه المنافس، مما يزيد تعقيد المشهد، ويساهم في توتيره، ويؤدي إلى جو مشحون بالكراهية وعدم التحلي بالروح الرياضية، وعندها يرتفع مستوى الحساسية، وتزداد المشاعر السلبية وتتسع الفجوات، فتظهر سلوكيات لا تمت للأريحية والتسامح والروح الرياضية بأي صلة.ويعتقد العديد من أخصائيي الطب النفسي أن التعصب الكروي تحديداً يُوقِع الإنسانَ النرجسي في ممارسة الأنانية المفرطة، ويعرِّضه لكثير من التوتر والقلق، مما يتسبب له في أمراض نفسية علاوة على بعض الأمراض العضوية مثل الضغط والسكري والقولون العصبي.. ليتحول جراء ذلك إلى شخص عدواني. وخلال مباراة العراق والكويت، قبل عدة أيام مِن الآن، كان الجو مشحوناً بين الطرفين المتنافسين في البطولة، على خلفية الخلاف السياسي السابق بين البلدين الشقيقين، وهو خلاف أعقبته عقودٌ من الزمن وعودةُ العلاقات الأخوية بين الجانبين، لكن هناك مَن يحاول استغلال الماضي بغية تدفيع الشعبين ضريبةَ خلاف طوته السنون، وعملت حكومتا البلدين على تجاوزه للأبد.
إنه بإيجاز خلاف عفا عليه الزمن وطواه النسيان، بيد أنه كلما يحدث احتكاك أو تنافس رياضي بين البلدين، يظهر فجأة مَن يحاول إحياء تلك «العكننة» بغية إثارة البغضاء وشحذ التعصب وإحداثَ التفرقة بين بلدين جارين شقيقين يجمعهما كل شيء ولا شيء يفرّق بينهما، إذ يستحيل الفصل بينهما، لما يربطهما، جغرافياً وتاريخياً واجتماعياً، من أواصر تعود إلى أقدم العصور، وهما الأقرب لبعضها من خلال التصاهر والنَّسب والعادات والتقاليد الواحدة المتشابهة. حكم المباراة، الصيني «هيرو يوكي»، الذي أدار المباراة بين الفريقين، ومن خلال طرده اللاعبَ العراقيَّ في بداية المباراة، اتهمه بعضهم بالتحيز وبظلم المنتخب العراقي، والواقع أنه نزع فتيلَ الخلاف مبكراً.
لكن جمهور المنتخب العراقي في الملعب كان متحمساً جداً لخطف الفوز والعودة بالنصر. وكان تعادل المنتخبين نتيجةً مرضيةً لهما ولجمهوريهما، وحتى للمراقبين أيضاً. وهنا هدأت الأنفس، وزال التوتر وخفَّ التعصب، وانتهى التشنج واختفى الشحن الذي أججته منصات التواصل الاجتماعي قبيل المباراة.. وهو شحن استطاع الحكَم الصيني أن ينزع فتيله منهياً حالة التعصب الرياضي غير السوية، وساعده على ذلك مستوى النضج على الجانبين.
*كاتب سعودي