فازت كمالا هاريس بالمناظرة المهمة التي جمعتها مع دونالد ترامب في 10 سبتمبر الجاري في فيلادلفيا. والواقع أنه حتى أنصار ترامب يقرون بأن أداء مرشحهم كان «سيئاً». فهل ستكون هناك مناظرة أخرى؟ وما انعكاس تلك النتيجة على الأرقام التي ستحصل عليها هاريس في استطلاعات الرأي العام اليومية؟ الإجابة يفترض أن نعرفها قريباً جداً. 
هاريس واجهت المهمة الأصعب مساء الثلاثاء الماضي. ذلك أنها أقل شهرةً بكثير من ترامب الذي شارك في العديد من المناظرات الرئاسية منذ عام 2016. وقد كان عليها أن تقدِّم نفسَها للشعب الأميركي والاستجابة لـ 3 توقعات أساسية. أولاً، كان عليها أن تُقنع الجمهور بأنها قادرة على قيادة البلاد والتصرف كقائد عام للقوات المسلحة الأميركية. وهذا يعني إدارة الاقتصاد والحفاظ على أمن البلاد من الخصوم الأجانب، إلى جانب الذود عن حدود الولايات المتحدة من الهجرة غير الشرعية وتياراتها المنفلتة. وثانياً، هل ستكون قادرةً على الصمود في وجه ترامب المعروف بالجرأة على منافسيه (وخاصة النساء)؟ وثالثاً، هل ستستطيع أن تفصل نفسَها عن رئاسة بايدن التي تُعد لاعباً رئيسياً فيها، دون أن تكون خائنةً لها، لكن في الوقت نفسه مع إبداء أمل جديد وجاذبية أكثر شباباً لبلد يبدو أنه ضاق ذرعاً بـ «الرجال البيض المسنين»؟ 
المراجعات الفورية لأداء هاريس تشير إلى أنها نجحت في اجتياز هذه الاختبارات. ذلك أنها لم تسمح لترامب بالتنمر عليها أو ترهيبها. بل على العكس من ذلك، إذ بادرت بمهاجمته، فشككت في تصريحاته «الفظيعة» وسخرت منها، وبعضُها كان «شائناً» لدرجة أنها لم تحتج سوى لاستخدام تعابير وجهها للنيل منه. ولعل أبرزَ مثال على ذلك هو زعم ترامب بأن مهاجرين غير شرعيين من هايتي يسرقون الحيوانات الأليفة المنزلية ويقتلونها ويأكلونها، وهو ما لا يوجد دليل مؤكد عليه.
الكثيرون تساءلوا حول الكيفية التي ستتعامل بها هاريس مع قضايا صعبة في السياسة الخارجية، مثل حربي أوكرانيا وغزة، والعلاقات مع بعض القادة في بلدان أخرى. وهنا مرة أخرى، ومن خلال إجابة ترامب عن هذه الأسئلة، يبدو أنه سقط في الفخ الذي وضعته هاريس وذهب إلى حيث أرادته أن يذهب. ذلك أنه لئن كانت هاريس صريحة بشأن أوكرانيا، حيث أكدت على أن الولايات المتحدة وحلفاءها يريدون انتصارَ أوكرانيا في الحرب مع روسيا، فإن ترامب رفض الإجابة على هذا السؤال الأساسي، مصراً على أنه قادر على إنهاء حربي أوكرانيا وغزة بين عشية وضحاها، بل حتى قبل أن يتولّى الرئاسة رسمياً في يناير 2025. كما تناولت هاريس موضوع العلاقات مع إسرائيل والفلسطينيين بما يكفي من التوازن والحذر، خشيةَ استعداء أي من الإسرائيليين أو الفلسطينيين. أما ترامب، فرد بأن هاريس «تكره إسرائيل»، وبأنها لو كانت رئيسة لاختفت إسرائيل من الوجود في غضون عامين!
هاريس استعدت لهذه المناظرة بعناية، واستطاعت أن تستدرج ترامب إلى ردود فعل غاضبة وخاصةً حينما سخرت مِن حجم تجمعاته الانتخابية، ومسؤوليته في تدبير الهجوم على مقر الكونغرس الأميركي في 6 يناير 2021، ورسائله غير المنسجمة والسوداوية التي تفيد بأن الولايات المتحدة دولة فاشلة، وبأن العالم بات على شفا حرب كونية ثالثة.
والواقع أنه ما زالت تفصلنا أسابيع عدة عن الخامس من نوفمبر، غير أن بعض الولايات تسمح حالياً بالتصويت المبكر. وطالما ظل السباق متقارباً، فإن كلتا الحملتين ستركزان على العدد القليل من الناخبين المتأرجحين في الولايات التي ستشهد معارك انتخابية محتدمة. ولا شك في أن الأسبوعين المقبلين سيوضحان ما إن كانت المناظرة قد غيّرت الديناميات الأساسية للسباق أم لم تحدِث أيَّ أثر فيها. وإذا اعتقد أي من الطرفين أنه أخذ يَخسر في استطلاعات الرأي، فإنه سيميل إلى الموافقة على إجراء مناظرة ثانية. و«الجمهوريون» يعلمون أن مرشحهم يمكنه أن يتحسن في المرة القادمة. وربما يعتقد فريق هاريس أنهم أبلوا بلاءً حسناً في العاشر من سبتمبر ولا ينبغي لهم أن يخاطروا بمواجهة أخرى، إلا إذا كانوا واثقين جداً مِن قدرتهم على تكرار نجاحهم.
وما قد يقنعهم بذلك هو حدث جلل ومؤثر، إما في الاقتصاد الأميركي نفسه أو أزمة على المستوى الدولي. أما إذا لم يحدث أي من ذلك، فإنهم سيكتفون على الأرجح باستخدام فيديوهات المناظرة في الدعاية المكثفة لمواصلة محاولاتهم إظهار ترامب للناخبين وكيف أصبح مسناًّ وسريع الغضب! 

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال إنترست» - واشنطن