لا يوجد تمثيل لحزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف في السلطة في أي من ولايات ألمانيا أو مجلسها الفيدرالي. ذلك أن حذر ألمانيا الشديد والمتواصل منذ عقود من أي فصيل سياسي يحمل أصداء الماضي النازي جعل حزبَ «البديل» يُستبعد مراراً وتكراراً من الائتلافات الحاكمة، إذ يُهمَّش مِن قبل أحزاب أكثر تماهياً مع المؤسسة السياسية وتقدِّم نفسها كمدافع عن ديمقراطية البلاد بعد الحرب العالمية الثانية.
وقد صنّفت وكالةُ الاستخبارات الداخلية في ألمانيا حزب «البديل» منظمةً «متطرفة» في 3 ولايات، وهو ما يعكس المخاوفَ بشأن خطاب أعضائه المعادي بشأن الإسلام والهجرة، وميلهم إلى إنكار الهولوكوست، علاوةً على صِلاتهم بالعنف السياسي اليميني المتطرف. وفي لحظات مختلفة خلال الأشهر الأخيرة، خرج متظاهرون في شوارع المدن الألمانية في مسيرات احتجاجية ضد اليمين المتطرف، منددين بحزب «البديل» ومذكّرين في الوقت نفسه مواطنيهم بأهوال النازية.
وقد تكون محاولات الوصم ضد حزب «البديل» قوية ومنسقة، لكنها لم تنجح. ففي الآونة الأخيرة، احتل الحزبُ المركزَ الأول في الانتخابات في ولاية تورينغن بوسط ألمانيا والمركز الثاني في ولاية سكسونيا المجاورة. وكانت تلك المرة الأولى التي يفوز فيها حزب يميني متطرف في ولاية ألمانية منذ الحرب العالمية الثانية. والواقع أن هذه النتائج لم تكن مفاجئة؛ ذلك أن كلتا الولايتين تقعان فيما كان يسمى ذات يوم ألمانيا الشرقية التي كانت تخضع للنفوذ السوفييتي، وهي منطقة أقل كثافة سكانية وأقل حيوية من الناحية الاقتصادية، وقد اجتذب فيها اليمين المتطرف دعما مهماً خلال السنوات الأخيرة، وكان من المتوقع أن يحقق حزبُ «البديل» نتائج جيدة في ما كانت تُعد في الواقع معاقل حقيقية له، وخاصة ضد الأحزاب التي تشكّل الائتلافَ الحاكم الذي بات يفتقر للشعبية على نحو متزايد.
في تورينغن، حصل «الحزب الاشتراكي الديمقراطي» بزعامة المستشار أولاف شولتز على 6 في المئة فقط من الأصوات، في حين حصل شركاؤه في الائتلاف الفيدرالي من «حزب الخضر» و«الديمقراطيين الأحرار» النيوليبراليين على نحو 2 و1 في المئة فقط على التوالي.
وفي الأثناء، يزيد فوز حزب «البديل» في تورينغن من الضغط على «الطوق» الذي أقامته المؤسسة الألمانية لقطع الطريق على اليمين المتطرف. ففي أعقاب التصويت، ندد شولتز بالنتائج وحثَّ «جميع الأحزاب الديمقراطية» في الولاية على تشكيل حكومة مستقرة «بدون متطرفين يمينيين». واستبعدت كلُّ الأحزاب الأخرى في الانتخابات إمكانيةَ التحالف مع حزب «البديل» بشكل مباشر، وهو ما يجعل من «الحزب الديمقراطي المسيحي» الذي حل ثانياً في الانتخابات خلف حزب «البديل» في تورينغن بنحو 10 نقاط الفصيلَ المحتمل لمحاولة تشكيل حكومة الولاية.
بيد أن التصويت لصالح حزب «البديل» لم يعد من الممكن اعتباره مجردَ انعكاس للسخط الشعبوي. وفي هذا الصدد، قالت أندريا رومله، عميدة التعليم التنفيذي بكلية هيرتي للحوكمة في برلين، لصحيفة «واشنطن بوست»: «إن الاحتجاج هو أن تصوّت لهم مرة واحدة، والحال أن هناك الكثير من الأشخاص الذين صوتوا لهم للمرة الثانية أو حتى الثالثة»، مضيفةً: «إن من الأسباب التي تجعل الناس يصوتون لحزب (البديل) عدم رضاهم عن الائتلاف الوطني، غير أن ما تُظهره الأرقام أيضاً هو أن الهجرة والأمن هما أهم القضايا بالنسبة للناس في هذه الولايات، وهم يرون أن (البديل) هو الحزب الأكثر كفاءة لحل هذه القضايا».
خطاب حزب «البديل من أجل ألمانيا» المناوئ للمهاجرين يضرب على وتر حساس ويجعل السياسة الألمانية تميل في اتجاهه. وفي هذا السياق، كتبت مجلة «ذي إيكونوميست» أن الحزب «يعمل على ترسيخ نفسه على المستوى المحلي، وأن استطلاعات الرأي التي أجريت بعد الانتخابات أظهرت أن عدداً متزايداً من الناخبين اقتنعوا برسالته الشعبوية المعادية للمهاجرين ولا يدعمونه بدافع الاحتجاج»، مضيفةً: «وفي الأثناء، يتوق العديد من جنود الاتحاد الديمقراطي المسيحي في الشرق إلى التقرب من حزب البديل؛ فعلى مستوى البلديات عبر معظم شرق ألمانيا، فإن جدار الحماية سقط منذ فترة طويلة». 
هذه التطورات تُظهر حدود الجهود التي تبذلها الدولة الألمانية للقضاء على التشدد اليميني والقومية المتطرفة. وفي هذا الصدد، قال ميرو ديتريش، المدير المشارك لمركز الرصد والتحليل والاستراتيجية، لـ«واشنطن بوست»: «لطالما عرفنا من خلال استطلاعات الرأي أن الفكر اليميني المتطرف لم يختفِ في ألمانيا»، مضيفاً: «في الماضي القريب، لم يكن لديهم حقاً حزب يستطيعون التصويتَ له، ولم يكن لديهم برنامج سياسي، لكن ذلك تَغير الآن مع حزب البديل».
بيورن هوكه، زعيم «حزب البديل من أجل ألمانيا» في تورينغن، سخر من محاولة «جدار الحماية الغبي» إحباطَ فرصه للوصول إلى السلطة. وفي مقابلة مع صحافي من التلفزيون الحكومي ليلة الانتخابات، عبّر هوكه عن استيائه من وصمه بـ«التطرف». ونَقل عنه موقع «بوليتيكو» قوله: «أرجوكم أن تتوقفوا عن وصمي بالتطرف»، مضيفاً: «إننا الحزب الشعبي الأول في تورينغن، ولا يمكنكم أن تصنفوا ثلث الناخبين في تورينغن على أنهم يمينيون متطرفون، أليس كذلك؟».

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»