في أواخر ثمانينيات القرن العشرين طُرح تساؤل غير مسبوق من قبل مواطنين في عدة أقطار أوروبية حول وجود تفاعلات كيميائية في الأجواء تؤذي طبقة الأوزون تسمى «كلورو فلورو كاربونر»، أو ما تعرف اختصاراً باسم CFCS.
هذه المواد يمكن العثور عليها في معظم علب رش الإيروسول. وعبر نشاطات زيادة التوعية من قبل جماعات المحافظة على البيئة، وعبر استجابة الإعلام، وبعض المصنعين وعدد من منصات البيع بالتجزئة أصبحت العامة متقبلة أنهم كلما قاموا برش المواد الكيميائية الملوثة والمؤذية، فإن الغازات الكيميائية الضارة تتغلغل في الأجواء، وتلك الغازات خطيرة تزيد من دمار طبقة الأوزون الحامية للأرض، وهي طبقة من الغلاف الجوي يحدث فيها طبيعياً التحلل الجزئي في طبقة الأوزون التي يتسرب عبرها غاز يقوم بتمرير إشعاع فوق بنفسجي ضار. الأمر المؤذي في هذه الصيغة من التلوث الضار أن الارتباط الجغرافي المكاني بين منبع التلوث وبين الدمار الذي يتسبب فيه يمتد لمسافات بعيدة جداً، فالغازات المرشوشة في مدينة بالصين لا تؤثر فقط على طبقة الأوزون في المدينة التي يتم الرش فيها فقط أو فوق الصين وحدها، بل إن الغازات الملوثة تنتقل في طبقات الجو العليا بوساطة الرياح لكي تصل إلى أجواء دول ومدن أخرى بعيدة كموسكو مثلاً.
وما تمت ملاحظته خلال السنوات الماضية منذ اكتشاف هذه التفاعلات والتأثيرات هو أن الخسارة الأكثر فداحة في دمار طبقة الأوزون تحدث في القطبين الشمالي والجنوبي، حيث من المفترض تواجد تجمع أقل لانبعاث الغازات. لذلك، فإن انبعاث الغازات في الصين أو اليابان يمكن أن تتسبب في مشكلة في الطرف الآخر من الكرة الأرضية كألمانيا أو الولايات المتحدة أو غيرها من دول الغرب. تعود البشر لوقت طويل على فكرة أن الناس العاديين أو مؤسسات الأعمال يمكن لهم تلويث بيئاتهم المحلية بالضجيج المرتفع وبصناعات تطلق الروائح والأبخرة والغازات الملوثة دونما رقابة أو حساب أو عقاب.
لكن ذلك لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، وتوجد الآن أمام البشر فرص للبدء في تغيير هذه الأفكار واستخدام كل ما من شأنه أن يحافظ على البيئة العالمية عن طريق استخدام المواد الأقل ضرراً والتكنولوجيا الأكثر تطوراً التي يمكن لها أن تقلل من كل ما هو مسبب للتلوث البيئي على نطاق كوني، وبذلك تصبح مظاهر التلوث البيئي أقل تواجداً، ويصبح العالم أقل انضغاطاً أمام محاربة التلف الذي يصيب ثقب الأوزون، وأن يقف شامخاً لكونه قد جعل البشرية أقل إتلافاً لبيئتها وبيئة جيرانها البعيدين على الكرة الأرضية. كما اتضح في مسألة تآكل طبقة الأوزون بعض مشاكل التلوث البيئي هي عالمية بطبيعتها الأساسية. لذلك، فإن من مصلحة البشرية مجتمعة أن تقوم بالتصدي لها والعمل على إصلاح مضارها.
إن هذه هي الرسالة التي تحاول العديد من الجهات المهتمة بالمحافظة على البيئة إيصالها إلى ضمير ووجدان البشرية، وأن تقنعهم بأنهم جميعاً سابحون في فضاء هذا الكون على ظهر كوكب واحد هو الكرة الأرضية التي عليهم صيانتها والمحافظة عليها من الدمار البيئي، وبأن حساً من الهوية الكونية من المفترض أن يسود مقدماً فكرة أن البشر يواجهون الخطر البيئي مجتمعين. بقيت نقطة أخيرة، هي أن عدداً من صيغ التلوث والدمار البيئي لها تأثيرات كونية بسبب انتشارها عبر التجارة العالمية والتصنيع وليس لأنها عالمية بطبيعتها. وعليه فمن الخطأ افتراض أن ردود الأفعال عليها ستكون متناسقة، فأنواع معينة من التلوث تتناقص في عالم الشمال بسبب الإجراءات التنظيمية الأشد صرامة والتقدم التكنولوجي في حين أنها في ازدياد في عالم الجنوب.
*كاتب إماراتي