حصلت الجزائر على عضوية بنك التنمية التابع لمجموعة دول «البريكس»، بمساهمة قيمتها 1.5مليار دولار، وذلك بموجب قرار اتخذه مجلس محافظي البنك في اجتماعه السنوي التاسع المنعقد بنهاية أغسطس الماضي في مدينة كيب تاون بجنوب أفريقيا. وقد وصفت وزارة المالية الجزائرية هذا القرار بأنه خطوة متقدمة على طريق اندماج الجزائر في النظام المالي العالمي، مشيرة إلى «الأداءات الاقتصادية المتميزة التي حققتها في الأعوام الأخيرة لجهة النمو الاقتصادي، وتم تصنيفها حديثاً كاقتصاد ناشئ من الشريحة العليا».

أما المراقبون فقد وصفوا القرار بأنه خطوة «تمهد لانضام الجزائر» بعضوية كاملة إلى المجموعة التي تضم الدول المؤسسة الخمس (الصين، الهند روسيا، البرازيل، وجنوب أفريقيا)، ومن ثم توسعت بدءاً من يناير الماضي، بانضمام خمس دول (السعودية، الإمارات، مصر، إيران وإثيوبيا). لقد كانت الجزائر بين 20 دولة تقدمت بطلبات رسمية للانضمام، ولكن قمة الدول الخمس المنعقدة في أغسطس 2023 في جوهانسبورغ وافقت على قبول فقط خمس دول. وتم ذلك وفق معايير وصفت بأنها «ظرفية، وإستراتيجية، وجيوسياسية»، خصوصاً أن دولاً قوية، وقريبة جداً من الصين وروسيا، مثل تركيا وإندونيسيا ونيجيريا وفنزويلا، لم توافق القمة على انضمامها. حتى الجزائر، لم تحظ بقبول الانضمام، بسبب تحفظ الهند التي تعيب مع البرازيل، عليها باعتمادها الكبير على النفط والغاز.

مع العلم أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تعهد بانضمام بلاده للمجموعة بنهاية عام 2023، وربط ذلك بضرورة تطوير الاستثمار، وقطاع التصدير، وإيصال الناتج المحلي إلى 200 مليار دولار، في وقت بلغ فيه الناتج لجنوب أفريقيا، باعتبارها أصغر اقتصاد في المجموعة 163 مليار دولار. ومن الطبيعي أن يؤدي انضمام الجزائر، مع ثلاث دول نفطية إلى دعم قدرات «بريكس» الائتمانية، بما يعزز نشاط «بنك التنمية الجديد»، الذي تأسس برأسمال 50 مليار دولار. وقدم خلال السنوات السبع الأخيرة قروضاً بنحو 33 مليار دولار لتمويل مشاريع البنى التحتية في عدد من الدول الأعضاء. وهو رقم ضئيل جداً مقارنة بحجم القروض التي قدمها البنك الدولي التي تزيد عن 100 مليار دولار سنوياً. وبما أن الدولار الأميركي يسيطر على أكثر من 40 في المئة من المعاملات التجارية حول العالم، فقد ساهم بارتفاع كلفة الإقراض. و بما أن أحد أهم أهداف «البريكس» الابتعاد عن الدولار، فهل تستطيع الجزائر تحقيق مصالحها بين عضويتها في هذه المجموعة، والالتزام بأهدافها، وبين علاقتها القوية وتعاونها الواسع مع دول الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية؟. الرئيس الجزائري يؤكد بإن قرب بلاده من معسكر الشرق، لن يكون على حساب العلاقات الاستراتيجية والتاريخية مع الغرب.

وبدورها أكدت الإدارة الأميركية عدم وجود تحفظ لديها بخصوص انضمام دول شريكة لها مثل الجزائر، إلى تجمع «البريكس»، وهي لا تطلب من شركائها الاختيار بينها والدول الأخرى. وواشنطن لا تزال تتمسك بالجزائر كشريك مهم لها في أفريقيا. ولعل الأبرز في هذا السياق رسالة التهنئة التي تلقاها مؤخراً الرئيس الجزائري من نظيره الرئيس جو بايدن بمناسبة الذكرى الـ62 لعيد الاستقلال، وأشار خلالها إلى أهمية الشراكة طويلة الأمد القائمة بين الجزائر والولايات المتحدة، مؤكداً «أنها تكتسي اليوم أهمية أكثر من أي وقت مضى، وإن العلاقات الاقتصادية والتجارية في تطور مستمر». ويقول الرئيس بايدن في ختام رسالته «من خلال العمل في إطار التعاون الوثيق، أنا واثق من أن الجزائر والولايات المتحدة، ستواصلان دفع رؤيتهما المشتركة لعالم يسوده السلام والازدهار».

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية.