تستعد نائبةُ الرئيس الأميركي المرشحة «الديمقراطية» كامالا هاريس للاختبار الكبير الثالث في مسارها الانتخابي منذ أن خلفت جو بايدن الذي أعلن انسحابه في 21 يوليو الماضي. المناظرةُ، التي ستخوضُها الثلاثاء المقبل، أمام المرشح الجمهوري دونالد ترامب ليست سهلة. يُعدُّ ترامب أحد أبرز من يُجيدون استغلال المُناظرات الانتخابية منذ أن بُدئ في تنظيمها عام 1960. وقد أُرغم بايدن على الخروج من السباق عقب مناظرة 27 يونيو التي ظهر فيها أكثر من أي وقتٍ قبلها مدى ضعف لياقته الذهنية. ولكن هاريس، على العكس، في قمة لياقتها. كما أنها في موقفٍ أفضل من ترامب في هذا المجال لأنها تصغرُه بحوالي 18 عاماً، إذ قُلبت نقطةُ ضعف بايدن الأساسية في الانتخابات لمصلحتها عقب تنحيه.
ومع ذلك لابد أنها تحسبُ ألف حسابٍ لهذه المناظرة، وتتدربُ كثيراً عليها لتعويض فرق الخبرة مع ترامب. كما أن تجربتها في السباق التمهيدي للحزب «الديمقراطي» لانتخابات 2020 لم تكن موفقة. كان أداؤها ضعيفاً في المناظرة أمام منافستها تولسي جابارد، إذ لم تستطع مجاراتها والرد على بعض انتقاداتها. أما في المناظرة التي خاضتها كمرشحةٍ لمنصب نائب الرئيس أمام «الجمهوري» مايك بنس في انتخابات 2020 فكانت ضعيفةً في مجملها، ولم تلق اهتماماً يُذكر.
وتُعدُ مناظرةُ الثلاثاء المقبل الاختبار الكبير الثالث، الذي سيتوقفُ على أدائها فيه الكثير. نجاحُها يعني استمرار التقدم الذي تُحققُه، ويعزز بالتالي فرصتها في انتخابات 5 نوفمبر المقبل. ولكن سيكونُ عليها أن تقدم أداءً مُقنعاً أمام منافسٍ عتيدٍ وعنيد، وأن تتجنب الهفوات التي تخصمُ من رصيدها. وإن وُفقت فسيكونُ الباقي بالنسبة إليها حتى 5 نوفمبر أقل صعوبة، بعد أن اجتازت بنجاح اختبارين كبيرين.
فقد نجحت في سد الفراغ الذي تركه انسحاب بايدن، وساعدها في ذلك التفافُ قادة الحزب ومعظم أعضائه وأنصاره حولها بأسرع مما كان متصوراً، وربما بأكثر مما توقعت. وأعطاها تدفقُ التبرعات على حملتها دفعةً معنويةً وليست ماديةً فقط. وتمكنت خلال شهرٍ واحد من إثبات أنها منافسُ قوي، وأن شخصيتها ليست باهتةً، بخلاف ما كان مُعتقداً.
كما اجتازت الاختبار الكبير الثاني في المؤتمر العام لحزبها (19-22 أغسطس) بقدرٍ معقول من النجاح. لم يحدث ما يُعكرُ أجواء المؤتمر خلال الاحتجاجات التي نظَّمها دعاةُ الوقف الفوري للحرب على غزة، بخلاف ما حدث عام 1964 عندما أضعفت احتجاجاتُ أقوى وأشد ضد حرب فيتنام موقف المرشح «الديمقراطي» هيوبرت همفري فخسر الانتخابات الرئاسية. وسعى رئيسُ المؤتمر مينوي مور ومُنظموه إلى احتواء حركة «غير الملتزمين» التي ضمت بضع عشرات من مندوبي الحزب في المؤتمر. ولكن الحسابات المُعقدَّة حالت دون إرضاء منتسبي هذه الحركة وأنصارهم في ثلاث ولاياتٍ متأرجحةٍ مهمة، فصار رهان هاريس على أنه لا بديل أمامهم غيرها اعتقاداً في أنهم لا يمكن أن ينتخبوا ترامب.
اجتازت هاريس، إذن، اختبارين كبيرين، ولكن الاختبار الثالث بعد أيامٍ قد يكونُ هو الأصعب.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية