في مجال الاتصالات والتواصل الإعلامي الديناميكي التخريبي، يأتي نشر استراتيجية التأثير النفسي على الجمهور كنهج تحويلي له مستهدفات واضحة بغرض طرح رؤى نفسية بشكل معقد ضمن نسيج العلاقات العامة والدعاية الصفراء والهندسة النفسية والذهنية العكسية للمجتمع، وتحويل توجهات المجموعة السكانية المستهدفة نحو استجابة محسوبة أو تعزيز التحول السلوكي في اتجاه معين.
وتعمل هذه الاستراتيجية من خلال تسخير الفن الدقيق للرسائل المقنّعة، والنداءات العاطفية، وسرد القصص المثيرة للذكريات، ونشر الأكاذيب المضللة الأشبه بمسلسلات تلفزيونية مشوقة للغاية، وجعل الجمهور في تلهف دائم لتلقي المزيد، وهو لا يدرك أنه واقع تحت تأثير تخدير البرمجة العقلية الموضعية بصورة مباشرة وغير مباشرة، كي تربك العقلانية والتعايش مع معطيات البيئة الداخلية والخارجية للإنسان ومجتمعه. 
الملايين من الأخبار والفيديوهات المصورة يتم بثها في كل ثانية لرقمنة الإشاعة وتزييف المدخلات والمخرجات، لتحويل المتلقي إلى كائن عاجز عن دحض أو رفض الرسالة، وهو يعلم في قرارة نفسه بأنه من الصعب إثباتها أو التحقق منها  في ظل الواقع الإعلامي والتكنولوجي القائم، وهو ما يبرع فيه المخرّبون من دول وجماعات وأفراد، وحتى شركات تجارية كبرى تسعى لخلق السوق المناسب لمنتجاتها وتغيير الولاءات، ولا يختلف الأمر في العمل السياسي والاستخباري الذي يستهدف المجتمعات.
هذه الاستراتيجية تعمل على مهاجمة نمط المعيشة وتفكيك الأفكار وصولاً إلى توجيه الرأي العام نحو مزاج عام في حملات لا يتم رؤيتها أو سماعها فحسب، بل يتم الشعور بها على المستوى العاطفي، والاستفادة من النسيج الغني للمشاعر الإنسانية لتعبئة الجماهير نحو وجهة محددة مسبقاً، سواءً كان الأمر يتعلق بتحفيز الرأي العام، أو تغيير عادات الجمهور وتحيزهم العاطفي، أو توليد الانبهار وتبنّي فكرة أو توجه ما  أو وجهة نظر محددة.
 إنها استراتيجية تدور حول إنشاء قصة تتوافق مع القيم والدوافع الأعمق لدى الجمهور، ويتعلق الأمر بفهم محفزات عمليات صنع القرار والأسس العاطفية للمواقف، والمسارات المعرفية التي تؤدي إلى السيطرة على المجتمع، وهو ما حدث حرفياً في الكثير من الأحداث العنيفة في العالم العربي خلال الـ 15 سنة الأخيرة، ما يستوجب عدم الإخفاق مجدداً في تشكيل الوعي الوقائي للجمهور للتفريق بين العدو والصديق. 
ومن المهم أن نشير إلى بعض أهم إحصائيات وتوجهات وسائل التواصل الاجتماعي لعام 2024 وذلك وفقاً لمجلة فوربس (Forbes)، أشارت إلى أن 94% من مستخدمي الإنترنت بالعالم يمتلكون حسابات للتواصل الاجتماعي. وكشفت أحدث دراسة لموقع (Statista) للتحليلات السوقية أنه اعتباراً من يناير 2024 كان هناك 5.35 مليار مستخدم للإنترنت في العالم، أي ما يمثل 66% من سكان الأرض. وتشير الدراسات إلى أن الشخص العادي يقضي حوالي 145 دقيقة يومياً على وسائل التواصل الاجتماعي، وتجذب مقاطع الفيديو القصيرة - التي تقل مدتها عادةً عن دقيقة - انتباه 66% من المستهلكين، كما أن 84% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً يستخدمون موقعاً واحداً على الأقل من مواقع التواصل الاجتماعي.
وشارك 60% من الأشخاص في دراسة أميركية في نشر قصة إخبارية على وسائل التواصل الاجتماعي دون أن يقرؤوها فعلياً، كما ذكر موقع wifitalents.com لإحصائيات التواصل الاجتماعي في تقرير مفصّل في عام 2023، أن أكثر من 38% من الذين أجابوا عن استبيان تبادل الأخبار الملفقة على شبكات التواصل الاجتماعي قاموا بالفعل بنشر الأخبار المفبركة والملفقة دون علم بذلك.
وفي دراسة أجراها معهد أكسفورد للإنترنت في عام 2020، تبين أن 76 دولة من 81 دولة في العالم وقعت في شرك نشر المعلومات المضللة والعمل على استمالة آراء الناخبين بمعلومات غير دقيقة فقط للفوز بأصواتهم، وهي مؤشرات مخيفة يجب أن تجعلنا نتساءل عن مصداقية ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي! وما هي نسبة الأخبار غير المفبركة؟
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.