يحدث أن تشاهد على التلفزيون إعلاناً توعوياً يحذرك من الوقوع في فخ «اللصوص السيبرانيين»، الذين يستخدمون الشبكة العنكبوتية للإيقاع بضحاياهم وسرقة أموالهم. يحدث هذا الأمر كثيراً، ولا أبالغ إن قلت إنني فقط خلال الأسبوع الماضي شاهدت أكثر من عشرة إعلانات من هذا النوع. لكن، لم يحدث أبداً أن شاهدت على التلفزيون أو على حسابات الصحف الكبيرة والوسائل الإعلامية المعتبرة في وسائل التواصل الاجتماعي إعلانات تحذر من الوقوع في فخ الحسابات الإلكترونية (المقنّعة) التي تُثير مواطني هذه الدولة على تلك الدولة أو تُحرض أبناء هذه الطائفة على أبناء طائفة أخرى.
«اللصوص السيبرانيون» الذين يستغلون التسهيلات الإلكترونية للإيقاع بخصومهم والاستيلاء على أموالهم خطرون جداً، والتحذير منهم أمرٌ واجب ومحمود بلا شك، لكن أيضاً «المحرضون السيبرانيون» الذين يوقظون الفتنة وينشرون المعلومات المغلوطة والآراء المتطرفة بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بهدف تصعيد الخلافات وخلق العداوات، بحاجة إلى وقفة متأنية ومعالجة عميقة يشترك فيها الجميع، بدءاً بالحكومات وانتهاء بالمواطن البسيط الذي يرتبط بالعالم من خلال جهاز تليفونه المحمول!
يضع أحدهم على حسابه في وسائل التواصل الاجتماعي، صورة لعلم إحدى الدول أو رمزاً من رموزها ليوهم المتابع أنه أحد مواطنيها، ثم يبدأ في بث معلومات (مغلوطة عمداً) عن دولة أخرى، ويوغل في شتم رموزها، لكي يجعل مواطني هذه الدولة يردون بالمثل، فيخلط الحابل بالنابل وهو يتفرج من بعيد، ربما من قرية نائية في أقصى الأرض، وربما من مركز رصد وتوجيه في بناية تابعة لدولة ما، يهمها هذا الخصام، ويحلو لها هذا الارتباك في العلاقات.
يأتيني أحد الأصدقاء دائماً بمنشورات لعدد غير محدود من المحرضين الذين يتمظهرون بمظهر مواطني إحدى دول المنطقة، ويسأل: لماذا يهاجموننا هكذا؟ لماذا يتعمدون الإساءة لنا؟ وأجيبه بسؤال معاكس: هل قرأت مثل هذا الكلام على لسان أحد مسؤوليهم؟ لا. هل قرأت أو شاهدت تقارير مسيئة لنا في وسائلهم الإعلامية المعتبرة؟ لا. هل تعرف أحداً من هؤلاء المسيئين بالاسم وتثق تمام الثقة أنه أحد مواطني تلك الدولة؟ لا. إذن، فكل ما تقرأه هو عمليات مخطط لها بعناية، فاخرج من «ثقافة المجموع» التي تغشى الأبصار، وابق مستقلاً في التلقي والتفكير حتى تتكشف لك الأمور على حقيقتها. وكن على ثقة أن عمليات التسلل والاختراق هذه لن تنتهي، لكن ما سيبقيك بعيداً عنها هو وعيك الذي يرتكز على الفرز والفلترة وعدم الخضوع لثقافة التيار!
أتمنى من الجهات ذات العلاقة توعية الجمهور بما يفعله هؤلاء المحرضون من خلال تنفيذ إعلانات موجهة تبيّن تكتيكاتهم وتفضح نواياهم. افعلوا مثلما تفعلون مع لصوص الفضاء السيبراني، وسترون الفرق بعد فترة ليست بالطويلة. 
*كاتب سعودي