مخاطر وتهديدات عديدة تواجه الإنسان اليوم وستواجهه في المستقبل، وهي تنصّب ضمن سلسلة تقع ما بين متقاطعة ومتواصلة لمخاطر وتهديدات قد تكون طبيعتها وتأثيرها على مستوى الفرد والجماعة، أو المكونات الهيكلية للدول محلياً ووطنياً، انتقالاً إلى المستوى ما دون الإقليمي والإقليمي، والدولي والعابر للقارات، ومن ثم مخاطر كوكب الأرض وصولاً للمخاطر الكونية، وهي مخاطر وتهديدات وتحديات على العموم تغطي مساحات جغرافية وتقسيمات مجتمعية مختلفة وبعضها وجودي! ليس لتكوين جغرافي معين تحديداً فقط، بل قد تتطلب تكاتف البشرية جمعاء لحلها.
إن محور الاضطرابات الرئيسية بقيادة الولايات المتحدة والغرب المنقسم على نفسه من جانب، والمحور المقابل الذي تقوده روسيا والصين ومن يدور في فلكهما الاستراتيجي كإيران وكوريا الشمالية من جانب آخر، يضرم النار في نقاط الاشتعال المحتملة، وذلك مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية، والشرق الأوسط وشبه القارة الهندية وبعض الدول الأفريقية، وبعض المحيطات والممرات المائية الأهم في العالم، وحلف الناتو «معاهدة شمال الأطلسي»، باعتباره موقعاً جغرافياً أكثر من كونه حلفاً سياسياً وعسكرياً، وجميع هذه النقاط هي بؤر محتملة لانطلاق نزاع عالمي واسع، وبالنظر إلى وضع الصراع الأوكراني الروسي، حيث يقوم حلف شمال الأطلسي بتوفير الأسلحة والدعم اللوجستي والاستخباري والميداني لأوكرانيا، فإن خطر سوء التفاهم بين الغرب وروسيا قد يزداد في كل يوم، والاشتباك من خلال حوادث فردية في البر أو البحر قائم وإن كان غير مخطط له، وينطبق هذا السيناريو على التحركات الصينية الأميركية وما يجري في غزة وجنوب لبنان، والتوسع إلى أحداث عسكرية متشابكة تمثل جسراً عائماً لتداعيات عالمية أكبر.
إن الانقسام المتزايد بين الغرب وقوس الدول عبر الصين وأوراسيا نرى نتائجه اليوم في الحروب الاقتصادية والتكنولوجية والصناعية والتجارية والعلمية، والتي هي بمثابة «حرب عالمية ثالثة» غير عسكرية.
وكابوس الحرب الباردة للقادة والشعوب على حد سواء يشير إلى مخاطر التصعيد، خاصة عندما يتصارع الغرب مع روسيا المتجددة بعد 32 عاماً من سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991، وصراع إعادة رسم شرق أوسط جديد، واعتراض مشاريع الصين الطموحة لتطويق أميركا بترسانة الأسلحة الناعمة للدمار الشامل والردع الاستراتيجي غير المسلح، وأهم تلك الأسلحة التمكين التكنولوجي والصناعي والمعرفي والعسكري لحلفائها مقابل إعادة التمركز، وخلط أوراق موازين القوى في كل أقاليم العالم، والسيطرة على أهم المواد النادرة في العالم والحيوية في كل الصناعات والاستثمارات المرتبطة بالديون السيادية ومشاريع الربط بين قارات العالم.
التحركات في كل المساحات والمشهد المذكورة أعلاه، وانتهاكات الصواريخ للمجال الجوي لكل طرف على حساب الآخر، تبدو لي كسيناريو استنزاف صمم لإيقاف انزلاق النسر الأميركي عن القمة وصعود غيره ليجلس عليها بجانبه، وهو في حالة الانزلاق وغيره في حالة الصعود، وهنا مواجهة روسيا لحلف شمال الأطلسي ودخول الصين في الحسبة بقوة مع تأجيج أزمة تايوان، وتأزيم الموقف في المحيط الهادئ سيؤدي حتماً للمواجهة التي يخشاها ولا يتمناها العالم أجمع.
ولكن لا معنى للحديث عن احتمالات الحرب النووية العالية أو المنخفضة على سبيل المثال 10% مقابل 1% دون مقارنتها بفترة زمنية محددة 10% لكل عقد أو 1% سنوياً افتراضاً، وبعد أن نحصل على الوحدات الصحيحة للاحتمالية قد نجادل فيما إذا كان احتمال الحرب النووية سنوياً مرتفعاً أو منخفضاً، ولكن هذا لن يحدث أي فرق حقيقي، فإذا كان الاحتمال 10% سنوياً فإننا نتوقع حدوث الحرب في غضون عشر سنوات تقريباً، وإذا كان 1% سنوياً فإننا نتوقع حدوثها في غضون مائة عام تقريباً.
وفي أي من السيناريوهين فإن وقوع مواجهة تستخدم بها أسلحة الدمار الشامل مؤكد، ولكن متى وكيف؟ هو سؤال المليون دولار الذي لا توجد له إجابة، ومع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي يجب أن ندرك أن سبب أو مصدر حرب عالمية كبرى قد لا يكون بشرياً فقط.

*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات