برز محور فيلادلفيا كعنوان رئيسي في المفاوضات الإسرائيلية مع حركة «حماس» وكأحد المواضيع الحساسة والمثيرة للجدل ليس فقط من جانب الحركة، ولكن من جانب أحد أطراف الحوار، وهي مصر. فهذا المحور، الذي يمتد على طول 14 كيلومتراً على الحدود بين قطاع غزة ومصر، يخضع لاتفاقيات مسبقة بين مصر وإسرائيل، ويعد بقاء أو رحيل الجيش الإسرائيلي قضية خلافية بين إسرائيل من جانب، ومصر وحركة «حماس» من جانب آخر، مما يهدد بفشل مفاوضات وقف إطلاق النار المنعقدة هذا الأسبوع بالعاصمة المصرية.
لقد أكدت «حماس» قبيل توجه وفدها إلى القاهرة التزامها بما وافقت عليه في 2 يوليو الماضي والمبني على إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن وقرار مجلس الأمن 2735، وإلزام إسرائيل بذلك، بدلاً من الدخول في مفاوضات جديدة بشروط جديدة، حيث ترفض «حماس» أحدث مطلب إسرائيلي يتعلق بالاحتفاظ بقوات إسرائيلية على طول ممر نتساريم، الممتد من شرق القطاع إلى غربه، ويمنع حرية حركة الفلسطينيين بين شمال قطاع غزة وجنوبه، وأيضاً وجود قوات إسرائيلية في ممر فيلادلفيا الحدودي بين غزة ومصر.
وترفض كذلك السلطات المصرية المقترح الأميركي والإسرائيلي بشأن محور فيلادلفيا؛ كونه يشكل انتهاكاً لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل لعام 1979، فالمحور هو منطقة عازلة كان يخضع لسيطرة وحراسة إسرائيل قبل أن تنسحب الأخيرة من قطاع غزة عام 2005 فيما عرف بخطة «فك الارتباط»، وعليه وقعت إسرائيل مع مصر بروتوكولاً سمي «بروتوكول فيلادلفيا»، لا يلغي أو يُعدل معاهدة السلام، والتي تحد من الوجود العسكري للجانبين في تلك المنطقة، لكن البروتوكول سمح لمصر بنشر 750 جندياً على امتداد الحدود مع غزة، وهي ليست قوة عسكرية، بل شرطية لمكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود.
وتحظر المعاهدة على إسرائيل نشر الدبابات والمدفعية والأسلحة المضادة للطائرات في محور فيلادلفيا، فيما تنفي إسرائيل أي انتهاك للمعاهدة، بل وتصر إسرائيل على وجودها في المحور، لأنها لا تعتقد أنها تستطيع الاعتماد على مصر في وقف تهريب الأسلحة إلى «حماس».
ويصر نتنياهو على موقفه الرافض للتفاوض بشأن الوجود العسكري على محور فيلادلفيا، إلا أن السيطرة الإسرائيلية على محور فيلادلفيا تتطلب توقيع بروتوكول ملحق باتفاقية السلام، مماثل للذي تم إقراره عام 2005.وسيطر الجيش الإسرائيلي في 29 مايو الماضي على محور فيلادلفيا، وكان نتنياهو قد صرح بأن منطقة محور فيلادلفيا «ينبغي أن تكون تحت سيطرة إسرائيل، ويجب إغلاق المحور، من الواضح أن أي ترتيب آخر لن يضمن نزع السلاح الذي نسعى إليه».
تشعر جهات إسرائيلية بالقلق من أن إصرار نتنياهو على التمسك ببقاء القوات في محور فيلادلفيا قد يعرقل مسار المفاوضات ويحبط جهود التوصل إلى صفقة تضمن الإفراج عن الرهائن والمحتجزين الإسرائيليين في غزة، حيث خرج آلاف الإسرائيليين في مسيرات مناهضة للحكومة في تل أبيب ومدن أخرى، عشية جولة المفاوضات، للضغط على حكومة نتنياهو. وتعارض المؤسسة العسكرية الإسرائيلية رؤية نتنياهو حول أهمية البقاء العسكري في ذلك المحور.
وتروج حكومة نتنياهو بأن المحور الحدودي مع مصر هو بوابة «حماس» الرئيسية للحصول على الأسلحة المهربة عبر الأنفاق، لكن الحكومة المصرية ترفض الدعاية الإسرائيلية وردت بشكل حاسم بأن حدودها تحت السيطرة، ولا أنفاق ولا تهريب يمر عبر أراضيها، لكن من الواضح أن أزمة محور فيلادلفيا مجرد عقبة إسرائيلية في مسلسل التفاوض مع «حماس» يضمن لنتنياهو ألا تنتهي حرب غزة ويبقى في السلطة.
*كاتبة إماراتية