على الرغم من مشاركة سفراء الدول الأوروبية والولايات المتحدة في لبنان في اجتماعات الجمعيات والمؤسسات الرسمية لبحث خطط الإغاثة والدعم للنازحين هرباً من الاعتداءات الإسرائيلية، لكن هذه الدول لا تشارك في تمويل تنفيذها، حيث تتمسك الجهات المانحة بقرارها حجب التمويل عن برامج الإغاثة، وذلك وفق ما يؤكده رئيس خلية الأزمة وزير البيئة ناصر ياسين، الذي أوضح «أن هناك خلفية سياسية تتحكم بقرارات هذه الدول، تجاه أزمة إنسانية كبيرة تتعلق بأكثر من100ألف إنسان تركوا منازلهم وأرزاقهم».
ولفت ياسين إلى أن الـ150 مليار ليرة التي وافق مجلس الوزراء أخيراً على صرفها من الخزينة لصالح الهيئة العليا للإغاثة، «ستنفق بشكل رئيسي لتجهيز مراكز للإيواء في حال توسع العدوان ورقعة النزوح».
ومع الإخذ بالاعتبار التداعيات السلبية للاعتداءات الإسرائيلية التي تواجه لبنان، تستمر الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية التي مضى عليها نحو خمس سنوات، ويتواصل معها عجز السلطة السياسية في ظل غياب رئيس للجمهورية، وسلطة تنفيذية وتشريعية صالحة وفعّالة لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وكذلك لا وجود لدولة القانون مع انعدام الثقة بالقضاء. وفي سياق الأجواء السلبية المتراكمة، أبلغ صندوق النقد الدولي المسؤولين اللبنانيين أن الإصلاحات التي تضمنها برنامجه الإنقاذي، لم تعد كافية للإنقاذ المالي والتعافي الاقتصادي.
وتبرز في هذا المجال خطورة موقف وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني الدولي التي أكدت تصنيف لبنان على أنه « غير قادر على سداد ديونه»، ولاسيما سندات «اليوروبوند» البالغة قيمتها نحو40 مليار دولار. ولكن الأخطر أنها ستتوقف عن إصدار تصنيفات جديدة للبنان، لعدم وجود معلومات عن أوضاعه المالية والنقدية، خصوصاً أن وزارة المالية أكدت عدم قدرتها على تنظيم مالية الدولة في ظل غياب الأرقام.
ووضعت وكالة «ستاندرد آند بورز» في تقريرها الذي صدر في 19 أغسطس الجاري تصنيف لبنان في درجة «التخلف الانتقائي عن سداد الديون»، مع التخوف من انعكاسات المخاطر الأمنية.
وإزاء ضعف المعطيات والأرقام المتاحة، لفتت وزارة المالية إلى أنها فقدت قدرتها على إعداد البيانات المالية، بسبب «العوائق الإدارية من ناحية الإمكانيات البشرية والتكنولوجية» والتي حالت دون إمكانية الوزارة نشر أرقام تعكس الواقع الحقيقي.
ولمعالجة هذه المشكلة أبرم مجلس الوزراء، اتفاقية هبة مع البنك الدولي بقيمة 5.5 مليون دولار، وهي تتضمن عدداً من الشروط، منها أن تبدأ الدولة بتعيين موظفين من وزارة المالية، تكون مهمتهم تقديم التقارير المالية كل 45 يوماً للبنك، مع ضرورة الالتزام الحرفي بدليل المنحة، وعدم صرف الأموال على أهداف أخرى.
ويأتي تنفيذ هذه الاتفاقية في الإطار الإستراتيجي العام لانتقال مؤسسات الدولة نحو العالم الرقمي، الذي ينبغي أن يكون تحت سيادة الدولة اللبنانية مع الالتزام بالخطوط الحمر في حماية «الداتا»، وعدم خرق السيادة الرقمية، عبر تمكين أي دولة أو جهة من الوصول إلى البيانات الرسمية والخاصة باللبنانيين، في عالم باتت فيه الحروب تعتمد أساساً على التكنولوجيا.
وفيما يفرض هذا الواقع على الدولة حرصاً إضافياً على سيادتها الرقمية، ما يزال ملف التحول الرقمي، يسلك مساراً غير مطمئن، يتمثل بتدخل البنك الدولي في طريقة تنفيذ لبنان لهذا التحول، خارقاً في بعض ما يطرحه مبدأ الحفاظ على سيادة لبنان الرقمية.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية.