بعد عامين، عدنا للسياحة في حدائق «صلالة» بمحافظة «ظفار»، وقد ازدادت رونقاً وجمالاً، وعماراً. وقد بدأت المعالم السياحية تبرز في حركة المرور المكثفة حول المشاريع الجديدة، التي جعلت الزوار يلتفون حولها انبهاراً بها وتخييماً في مناطق مختلفة من بعدها.
أما عن عناصر السياحة المميزة، الاخضرار، والماء، والوجه الحسن، فمن نعمة الله على أهل سلطنة عُمان، وعلينا أيضاً، أن هذه العوامل جميعها جزء من الحياة في صلالة، خاصة لقرابة ثلاثة أشهر الصيف اللاهبة في الخليج إلا في هذه البقعة المخضرة في السلطنة.
والأهم من كل تلك العناصر، أخلاق الشعب العُماني الرحيبة، وطلاقة وجوههم الباشة بالقادمين إليهم من أصقاع الأرض، وليس من الخليج فحسب.
صلالة من بين أهم المؤشرات القوية على ضرورة الاهتمام بالسياحة الداخلية بين دول مجلس التعاون، وخاصة عندما نلاحظ التغيرات المناخية التي يشهدها العالم بكل اتجاهاته، تصب لصالح منطقة الخليج التي ستعود إلى سابق عهدها، أنهاراً وودياناً واخضراراً.
و كافة الدراسات العلمية في هذا المجال تشير إلى هذه الظاهرة المستقبلية في عودة الحياة الطبيعية التي كانت سائدة منذ قرون إلى هذا المكان الذي يتوسط العالم في الأهمية الاستراتيجية بلا منازع.
سألنا أحد المستثمرين من إحدى دول الخليج عن مدى الجدوى الاقتصادية لتأسيس مشروع يدر ربحاً ولفترة قصيرة من الزمن؟
فكان جوابه في الحقيقة مقنعاً، حيث أشار إلى أن الفرع الرئيس للشركة في مسقط، وأن هذا الفرع المؤقت أحياناً يغطي مصاريف الفرع الرئيسي، بالإضافة إلى نسبة ربح مجدية.
تذكرت هنا، نشأة الاقتصاد في أوروبا منذ قرون، وكيف أنه كان يقوم على الأنشطة الموسمية التي كانت تغطي فترة الركود.
و بنظرة سريعة إلى الإحصاءات الرسمية للسلطنة في خريف صلالة، فقد سجل عدد زوار موسم خريف ظفار 2023م ارتفاعاً بنسبة 18.4 بالمائة ليبلغ نحو 962 ألف زائر مقارنة بـ 813 ألف زائر خلال موسم 2022م. وأشارت البيانات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى ارتفاع إنفاق زوار موسم خريف ظفار 2023م ليسجل 103 ملايين ريال عُماني مقارنة بـ 86 مليون ريال عُماني في موسم 2022م، في حين ارتفع عدد ليالي الإقامة لزوار خريف ظفار 2023م ليصل إلى 7 ملايين ليلة مقارنة بـ 6 ملايين ليلة في موسم 2022م. وأوضحت البيانات أن عدد الزوار العُمانيين بلغ 666 ألفاً و307 زوار بما نسبته 69.2 بالمائة من إجمالي الزوار، فيما بلغ العدد من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية 190 ألفاً و853 زائراً بما نسبته 19.8 من إجمالي الزوار، ومن الدول الآسيوية 68 ألفاً و100 زائر، في حين بلغ العدد من الدول العربية 31 ألفاً و214 زائراً، ومن أوروبا 3 آلاف و740 زائراً، ومن الدول الأخرى ألفاً و982 زائراً.
و في هذه الأرقام دلالة حيوية بأن السياحة أحد البدائل المتاحة أمام المصادر الأخرى القابلة للنضوب كالنفط والغاز وغيرها من الموارد الطبيعية.
فدول في العالم مثل المالديف وسيشيل وأخرى من أمثالها تعد السياحة وحدها هي المصدر الرئيس للدخل في دولها، وفي دول أخرى حول العالم لا تقل عن 25% من حجم الاقتصاد المحلي.
ولو نظرنا إلى حجم سكان دول الخليج وحدها، فإنها تستطيع أن تجعل من الاقتصاد السياحي رافعة لاقتصادها الوطني في غضون السنوات القليلة المقبلة.
*كاتب إماراتي