على غرار كل من يتابعون الأخبار، أشعرُ بالدهشة بعض الشيء إزاء التحول في استطلاعات الرأي منذ أن حلّت نائبة الرئيس كامالا هاريس محل الرئيس جو بايدن على رأس بطاقة الحزب «الديمقراطي».

والواقع أننا ما زلنا لا نعرف ما الذي سيحدث يوم الاقتراع، فقد تخسر هاريس بسهولة، رغم تحسن أرقامها في استطلاعات الرأي. غير أنها إذا فازت، فإن إحدى الطرق للتفكير فيما حدث هو القول إن «الجمهوريين» كانوا يحاولون تكرار الانتخابات الخطأ. ما حدث أن رسائل الحزب «الجمهوري» السياسية صُممت بشكل واضح وجلي وفق نموذج حملة رونالد ريجان لعام 1980، حينما سأل هذا الأخير الأميركيين: «هل أنتم أفضل حالاً مما كنتم عليه قبل أربع سنوات؟».

والحقيقة أن تطبيق هذا النهج في 2024 لطالما كان إشكالياً لأنه يعتمد على نسيان الناخبين لما كان عليه الحال حقاً في عام 2020، الذي عرف ارتفاع معدل البطالة والوفيات الجماعية. ولكن يبدو الآن كما لو أن هذه الانتخابات قد تكون أشبه بانتخابات 1984، حينما حقق ريجان فوزاً ساحقاً بعد حملة رفع فيها شعار «صباح الخير يا أميركا».

قبل أن ترفض هذه المقارنة، ينبغي أن تستحضر الحالة التي كانت عليها أميركا في عام 1984، والتي كانت أكثر إشكالية بكثير مما قد تقوله الأسطورة - التي عمل «المحافظون» على تغذيتها ورعايتها بعناية على مر السنين. ففي نوفمبر من ذلك العام، بلغ معدل البطالة 7.2%، مقارنة بـ 4.3% الآن، وكان معدل التضخم يزيد قليلاً على 4%، مقارنة بـ 2.9% حالياً. كما كان معدل جرائم القتل أعلى بكثير من المعدل الحالي.

ولكن البطالة والتضخم كانا قد انخفضاً من أعلى مستوى لهما قبل بضع سنوات، والعديد من الأميركيين كانوا يشعرون بأن البلاد بدأت تخرج من الحالة المتأزمة التي كانت تتخبط فيها في 1980. وبالنظر إلى الوراء الآن، يتضح أن الاحتفال كان سابقاً لأوانه: ذلك أن فترة الثمانينيات شهدت ارتفاعاً حاداً في عدم المساواة وتراجعاً في التصنيع، وقد فاز بيل كلينتون في 1992 بشكل أساسي لأنه خاض الانتخابات ضد الإرث الاقتصادي لريجان- جورج بوش الأب. ولكن خواء شعار «صباح الخير يا أميركا» لن يتضح إلا بعد ذلك بوقت طويل. وجه الشبه مع الوضع الحالي لمشهدنا السياسي هو أن حالة أميركا في 2024 ليست جيدة جداً من الناحية الموضوعية فقط، وخاصة عند مقارنتها بالدول الغنية الأخرى، ولكنها آخذة في التحسن بشكل سريع أيضاً من عدة نواح. وعلى سبيل المثال، فإن النسبة المئوية للأميركيين الذين في ذروة سن العمل بلغت أعلى مستوياتها منذ 23 عاماً. والتضخم انخفض بنحو الثلثين عن ذروته في 2022. وجرائم العنف، التي ارتفعت بشكل كبير خلال العام الأخير لدونالد ترامب في الرئاسة، أخذت تنخفض بشكل سريع. ومع ذلك، بدا أن الناخبين لا يشعرون بالأخبار السارة، وحتى وقت قريب، بدا أن ترامب يدير حملة ناجحة تركزت على ادعاءات كاذبة بأن الجريمة «في ارتفاع مهول» وأننا قد نكون سقطنا «في قبضة الكساد».

الآن يبدو على نحو متزايد أن السبب في عدم وصول الأخبار الجيدة إلى الناخبين هو حامل الرسالة، ذلك أن أشياء جيدة جداً حدثت في عهد بايدن، والكثير منها يعزى إلى سياساته الجريئة والشجاعة. ولهذا استُقبل استقبال الأبطال على نحو مستحق في المؤتمر الوطني للحزب «الديمقراطي» الأسبوع الماضي، وأعتقدُ أن المؤرخين في المستقبل سيقدّرون رئاسته حق قدرها. ولكن لأسباب مختلفة - سنه، وارتفاع التضخم في 2021 و2022، وربما مجرد أسلوبه الشخصي - لم يكن الناخبون مستعدين لمنحه الفضل في الإنجازات التي تحققت. ولكن الآن وقد أصبحت هاريس المرشحة الديمقراطية، فإن المشاعر العامة تغيّرت. وقد يكون استطلاع للرأي أجرته صحيفة «فايننشيال تايمز»، والذي يُظهر أن الناخبين يفضلون هاريس فيما يتعلق بالاقتصاد، نموذجاً استثنائياً، غير أن هناك استطلاعات رأي أخرى تُظهر أن تقدم ترامب الذي كان كبيراً في السابق (وغير مستحق تماماً) بخصوص هذا الموضوع قد تقلص إلى حد كبير. كما يُظهر استطلاع رأي جديد لوكالة «أسوشيتد برس/مركز نوركش أن المرشحين متعادلان بخصوص القدرة على التعامل مع الجريمة بشكل أفضل، مع تقدّم هاريس بهامش كبير بخصوص موضوعي الإجهاض والرعاية الصحية.

لستُ بصدد القول إن هاريس، التي يبدو أنها تتقدم ولكن ليس بفارق كبير، ستفوز. ذلك أن العديد من الناخبين لديهم ذكريات جيدة عن 2019 وقد نسوا 2020 إلى حد كبير، وترامب متقدمٌ في موضوع الهجرة. وفي بيئتنا الإعلامية المنقسمة، قد لا يعرف كثير من الناخبين أن معدلات التضخم وجرائم العنف قد انخفضت. وفضلاً عن ذلك، فإن تحقيق فوز ساحق على غرار فوز ريجان مستحيل لأي من المرشحين، نظراً للاستقطاب السياسي الحالي. غير أن هناك شعوراً حقيقياً بأن هذه الانتخابات صارت فجأة تبدو أشبه بانتخابات 1984 منها بانتخابات 1980، انتخابات تلعب فيها هاريس، وليس ترامب، دور ريجان، ذلك أن ترامب يتنافس في هذه الانتخابات كمرشح الخسارة الأميركية، ويصر على أن الأمور فظيعة، وهو ما كان صحيحاً نوعاً ما في عام 1980، ولكنه ليس صحيحاً الآن، وإلى جانب حديثه المبالغ فيه حول حجم الحشود الحاضرة وما إلى ذلك، فإنه يظهر للجمهور بمظهر المشتكي والمتذمر.

وفي الأثناء، تتنافس هاريس في هذه الانتخابات كمرشحة للتفاؤل والأمل، حيث أعلنت أننا انتصرنا على الأوقات العصيبة - وهو ما حدث بالفعل. والحقيقة هي أنه كانت هناك أسباب كافية للشعور بالرضا عن أميركا قبل شهر أو شهرين، غير أن الناخبين لم يكونوا مستعدين لتصديق ذلك طالما ظل بايدن مرشحاً. ولكن الآن وبعد أن حملت هاريس لواء «الديمقراطيين»، فإن إنجازات بايدن قد تؤتي أخيراً ثمارها سياسياً.

*أكاديمي أميركي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»