هل أفسد الاختراق البري المفاجئ الذي شنته أوكرانيا في منطقة «كورسك» الغربية في روسيا المقاربة الدبلوماسية التي كان من الممكن أن تمثل خفضاً للتصعيد في الحرب الجارية؟ بعد إشارات من كييف وموسكو نحو الاستعداد للتفاوض على اتفاق من شأنه أن يوقف الهجمات المتواصلة على شبكات الطاقة الخاصة بكل منهما، ما هي الأسباب التي دفعت أوكرانيا للمغامرة لإنشاء منطقة عازلة من خلال هجومها على منطقة «كورسك» الروسية بغرض منع القوات الروسية من مهاجمة منطقة «سومي» الحدودية الأوكرانية؟
والتطلع أيضاً إلى جذب القوات الروسية من جبهات أخرى وخاصةً منطقة «دونباس»، حيث وضعَ الروس تحت ضغط هائل. كما ترغب أوكرانيا أيضاً أن تثبت لشعبها وحلفائها الغربيين أنها قادرة على نقل الحرب إلى روسيا، وخلق الكثير من الشكوك والتساؤلات والضغوط في الداخل الروسي، وخاصةً بين صفوف كبار الضباط في الجيش الروسي والأجهزة الأمنية.
«كورسك» هي منطقة استراتيجية كثّفت فيها كييف عملياتها العسكرية، وهي نقطة محورية للجهود العسكرية الأوكرانية لأكثر من 14 يوماً، ويتزامن هذا الهجوم الذي كان يهدف إلى تعطيل طرق الإمداد الروسية وتحركات القوات، مع تدمير أوكرانيا ثلاثة جسور رئيسية في المنطقة تحسباً لاتجاه روسيا نحو زيادة قواتها في أوكرانيا إلى 800 ألف فرد بحلول نهاية العام، حيث إن عدد القوات الروسية في الأراضي الأوكرانية التي تسيطر عليها موسكو يبلغ حالياً نحو 600 ألف. وفي سياق متصل تتصدى أوكرانيا للهجمات الجوية الروسية على أراضيها، وأخلت أوكرانيا العائلات التي لديها أطفال في بعض المدن مثل «بوكروفسك» ومحيطها، بينما تواصل القوات الروسية تقدمها نحو هذه المدينة الاستراتيجية في شرق أوكرانيا، وخاصةً بعد كسر أوكرانيا لبعض القواعد لاستخدام التسليح الغربي ضد المصالح الروسية.
ما لا يوجد له تفسير هو أن في الساعات التي سبقت اقتحام الجنود الأوكرانيين للحدود الغربية لروسيا، لم تكن هناك أية إشارة من موسكو بأن الأمور قد لا تكون على ما يرام! وكيف لم ترصد روسيا ذلك التحرك وهي تراقب أراضيها الحدودية براً وجواً وهناك قوات تحرس تلك الحدود؟
وماذا حدث للتقنيات المسخّرة لتلك المنظومة؟ وهل لم يستطع الروس كشف التحركات الأوكرانية؟ هل يوجد خرق أمني ومعلومات مضللة تصل للقيادات؟ وكيف استغرق الأمر ما يقارب 12 ساعة من وقت التوغل قبل أن تعترف وزارة الدفاع الروسية علناً بأن أوكرانيا هاجمت الحدود؟ ناهيك عن اختراقها! وبالتالي هز مبادئ النظام الدولي ومبادئ السلامة الإقليمية، وهو أمر التزمت به روسيا عندما تخلّت أوكرانيا عن أسلحتها النووية وأصبحت مستقلة.
أوكرانيا كانت تحتاج لورقة تفاوض وضغط حاسمة تقزم الخيارات الأخرى، وخاصة إذا نجحت روسيا فسوف يتغير العالم، وسوف يضطر حلف شمال الأطلسي إلى إعادة التسليح وسوف تضطر جميع البلدان إلى إنفاق المزيد على الدفاع، وسوف تكون هناك جولات من التسليح وإعادة التسليح، وفي هذه البيئة حتى الخطأ الصغير أو الخلل، أو مكالمة هاتفية فائتة أو ترجمة خاطئة، أو خلل في نظام تحديد المواقع العالمي (جي. بي. إس) يمكن أن يخرج عن السيطرة بسرعة كبيرة، وهل يلجأ «بوتين» إلى إجراءات محفوفة بالمخاطر على أمل البقاء في السلطة وتحقيق أهدافه؟
إذا ما فشلت أهداف روسيا فإنها ستصبح في ورطة خاصةً وأن هناك مكوناً كبيراً في الجمهور الروسي على استعداد فعلياً للاحتجاج ضد هذه الحرب، وماذا عن الغرب الذي قد لا يكون قادراً على فعل أي شيء لمواجهة منطق المقامرة وحاجة بوتين لمخرج بأي ثمن ممكن! وهل هذا هو الوضع الأكثر خطورةً منذ الحرب العالمية الثانية؟ وماذا عما ألمح إليه «بوتين» أيضاً في خطاباته الأخيرة حيث ذكر أن الحدود المرسومة بعد الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية غير شرعية ويجب أن تزول.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.