تترقب حكومة بغداد باهتمام كبير تطوّر الأسواق العالمية في حال تصاعد حدة الصراع في الشرق الأوسط، وذلك في ظل مخاوف تحيط بعملية الإنتاج وسلاسل الإمداد العالمية، علماً أن هذه الأسواق لاتزال تستجيب استجابة صامتة لكل الأحداث «الجيوسياسية» التي حصلت منذ السابع من أكتوبر الماضي، وهي شبه مستقرة نتيجة تأثرها بالعرض والطلب وقرارات منظمة البلدان المصدرة للنفط «أوبك»، هذا مع الأخذ في الاعتبار أهمية نصيحة صندوق النقد الدولي بضرورة «الحد من تعرض الاقتصاد العراقي لصدمات أسعار النفط».
وتختلف التقديرات بين «المنظمة» التي خفضت توقعاتها لنمو الطلب العالمي، في تقريرها لشهر يوليو الماضي، بمقدار2.11 مليون برميل يومياً، انخفاضاً من 2.25 برميل يومياً في شهر يونيو، فيما تتوقع وكالة الطاقة الدولية نمواً أقل بكثير، مقدرة أن يبلغ 970 ألف برميل يومياً فقط، خلال العام الحالي. ولوحظ أن العقود الآجلة لخام «برنت»، استقرت حول مستوى 80 دولاراً للبرميل.
وبما أن العراق يعتمد في موازنته على إيرادات النفط، ويستفيد من ارتفاع الأسعار لتغطية نفقاته الكبيرة، وما ينتج عنها من عجز مالي، فقد أقرت حكومة بغداد في العام الماضي إعتماد موازنة اتحادية لثلاث سنوات (2023-2024-2025)، وكانت تراهن لتغطية العجز المالي البالغ 48.4 مليار دولار، على ارتفاع أسعار النفط فوق السبعين دولاراً للبرميل، وهو السعر المعتمد في أرقام الموازنة. وقد نجحت في رهانها، حيث تجاوز السعر 86 دولاراً.
ولكن يبدو أن تطور النفقات الحقيقية، حمل مؤشرات سلبية، إذ زاد إجمالي النفقات في موازنة العام الحالي بنسبة 7 في المئة إلى 211.9 تريليون دينار، مما اضطر وزارة المالية إلى رفع السعر المعتمد إلى 80 دولاراً للبرميل، وهو يوفر إضافة مبلغ 17 تريليون دينار، لسد العجز المالي. بينما ينتقد صندوق النقد الدولي خطة الحكومة العراقية، ومحذراً من ارتفاع النفقات، بما يؤدي إلى أن يشكل هذا العجز 7.6 في المئة من الناتج المحلي، خلال العام الحالي، وأن يتسع أكثر بعد ذلك مع الانخفاض التدريجي المتوقع في أسعار النفط على المدى المتوسط، خصوصاً أن المطلوب لتحقيق التوازن المالي أن يبلغ سعر البرميل 90 دولاراً.
ومن الطبيعي أن تساهم هذه التطورات (وفق تقرير صندوق النقد) في مضاعفة نسبة الدين العام من 44 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي إلى 86 في المئة في عام 2029 . مع الإشارة إلى أن تمويل العجز المالي يعتمد على المصادر المحلية (البنك المركزي والمصارف الحكومية)، وتعتبر مؤشرات سلبية تحمل في طياتها مخاطر تتعلق بصعوبة تطوير القطاع المصرفي الحكومي، وعدم تحقيق الاستقرار في النظام المالي، فضلاً عن انعكاسه بشكل سلبي على الاقتصاد الوطني.
ووفق الأرقام المتاحة، يُقدر حجم الدين العراقي حالياً بنحو 84 مليار دولار، منها 54 مليار ديون داخلية، وهذا لا يشكل مشكلة، خصوصاً أن البنك المركزي قام بخصم معظمه، وأصبح جزءاً من المحفظة الاستثمارية للسلطة النقدية، إلا أن المشكلة تكمن في أن حجم الفوائد مع الأقساط يصل إلى 12 تريليون دينار سنوياً، إضافة إلى ذلك، فإن معظم الدين العراقي، يموّل نفقات تشغيلية، وليست استثمارية، بمعنى أن هذه الديون لايمكن استرجاعها من المشاريع الاستثمارية التي كان من المفترض أن تعمل الحكومات المتعاقبة على إطلاقها، لتساهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي، وقد حذر تقرير أعدته مؤسسة «عراق المستقبل» من أن استمرار هذه الديون، من دون وجود خطط لتسديدها، يكلف موازنة الدولة نفقات إضافية تتراكم لمصلحة المؤسسات الدائنة.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية