انتهت دورة باريس للألعاب الأولمبية يوم الحادي عشر من أغسطس الجاري، دورة كانت استثنائية حقاً، وهو ما فاجأ جميع المتشككين الذين كانوا يقولون إن الجميع سيهجرون باريس، وإنه لن يكون هناك أحد في الملاعب، وإن الأمر سيكون كارثياً، وإن حفل الافتتاح لا يمكن أن يقام على نهر السين.
أتذكرُ أنه في ألعاب ريو دي جانيرو وألعاب لندن التي حضرتها كانت هناك شكوك أيضاً قبل الألعاب، غير أنه بمجرد أن انطلقت الألعاب، كان الأمر أشبه بالسحر. وها هو الأمر نفسه يتكرر في هذه الدورة.
ومن الأشياء الجديدة الأخرى التي ميّزت هذه الألعاب الأولمبية التكافؤ التام بين عدد الرياضيين من الإناث والذكور. ومن الأشياء الجديدة أيضاً في هذه الدورة «حديقة الأبطال»، حيث أتى جميع الأبطال الأولمبيين والفائزين بميداليات، باختلاف جنسياتهم، للالتقاء بالجمهور، وهو ما شكّل لحظة استثنائية حقاً.
جميع الرياضيين كانوا معجبين بالأماكن التي أقيمت فيها الألعاب: «القصر الكبير»، قصر فرساي، التروكاديرو، ساحة الكونكورد، برج إيفل. إذ لم يحدث أبدا أن التقط الأبطال الأولمبيون والفائزون بالميداليات مثل هذا العدد من صور السيلفي أمام المعالم الأثرية لباريس، وهو ما شكّل ترويجاً ودعاية رائعة لباريس ولجمالها، والأكيد أن باريس ستربح منه الكثير كوجهة سياحية.
ثم هناك الأجواء في الشوارع، فالناس كانوا سعداء، ووسائل النقل اشتغلت بشكل جيد. كما كانت الأجواء في الملاعب رائعة، حيث كان المشجعون المتحمسون يشجعون رياضييهم ومنتخباتهم بدون إهانة الآخر، أي إيجابيات كرة القدم بدون سلبياتها.
45 ألف متطوع كانوا سعداء بالمشاركة في هذا الحدث الرياضي العالمي وبأن يكونوا جزءاً من المغامرة. وقد رأيتُ ذلك من قبل في لندن وفي ريو دي جانيرو، وأستطيعُ أن أقول إنه ليس من السهل أن تكون متطوعاً، جندياً يعمل في الخفاء. ذلك أنه على المرء حقاً أن يكرّس نفسه للمهمة التي تناط به. ولكن الناس كانوا فخورين حقا بالتطوع، وهذا كان مدعاة للاعتزاز والفرح.
لم تكن هناك سوى الابتسامات في باريس، علما بأنه عشية الافتتاح فقط كانت تطغى على البلاد مشاعر الشك والقلق بشأن عدم الاستقرار السياسي وغياب الحكومة وضعف الرئيس ماكرون. وكان الجميع سعداء، مما يؤكد أن الرياضة يمكن أن توحّد الناس وتجمعهم معاً.
ولا بد من القول هنا إن اللجنة المنظمة كانت استثنائية. وينبغي الإشادة هنا على الخصوص بتوني إستانغي وفريقه. فقد كان توني إستانغي قائداً حقيقياً، قائداً يعرف كيف يلعب لعباً جماعياً، وقائداً لا يلعب من أجل نفسه فقط، وقائداً يعرف كيف يُبرز فريقه ويضعه في المقدمة، وقد نجح في ذلك بصراحة. ما هي خطوة توني إستانغي التالية؟ الواقع أنه يمكن القول إن لديه مستقبلاً عظيماً ينتظره، لأنه أثبت أنه قائد حقيقي.
الرياضة قوة ناعمة، ولمن ما زال لديه شك في ذلك، فإن هذا دليل آخر على ذلك. وبالطبع، ليس هذا هو الذي سيغيّر المجتمعَ الفرنسي، أو الاقتصاد الفرنسي، ولكنه ميزة إضافية، وابتسامة يجب أن تؤخذ. وهو ما يؤكد أنه حينما تكون فرنسا متحدة، فإنها تستطيع أن تقدِّم هذا الأداء الجيد، وهذا شيءٌ يجب أن نتذكره جيداً.
وبالطبع، الرياضة ليست عصا سحرية، فالمشاكل لم تُحل. إذ علينا أن نشكّل حكومة، وعلينا أن نخرج من هذا الوضع. غير أننا عشنا على كل حال لحظة أخوة، وهذا هو أكثر ما ينقصنا. ولهذا، فإن هذه اللحظة مهمة للغاية. ونأمل ألا تكون مجرد قوسين سيغلقان قريباً.
ودعونا نأمل أن تتبعها الموارد اللازمة، وأن تكون هناك موارد في المدارس والنوادي لاستقبال جميع الأطفال الذين سيمارسون الرياضة. ودعونا نأمل أن تترك هذه الألعاب إرثاً. إرث بخصوص روح الأخوة، وبخصوص الوئام، وبخصوص حقيقة أننا كنا سعداء بتوحدنا ووجودنا معاً في الأماكن التي احتضنت المنافسات، وفي الشوارع، وفي وسائل النقل. لقد كانت لحظة عظيمة من الوئام والأخوة!
دعونا نتذكر ذلك. ودعونا نأمل أن نحتفظ بقليل من روحه وذكراه، وأن الرياضة والانفتاح على الآخرين يظلان في النهاية أمراً رائعاً حقاً.
*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس