قبل السادس والعشرين من يوليو، كانت أغلبية من المواطنين الفرنسيين تعارض دورة الألعاب الأولمبية في باريس التي بدأت ذاك اليوم، إذ كان العديد منهم يرى أنها أغلى مما ينبغي، وأكثر بهرجة مما ينبغي، وأكثر إزعاجاً مما ينبغي. ومما زاد الطين بلة أن إرهابيين قاموا بتخريب أجزاء من شبكة السكك الحديدية الفرنسية ذاك اليوم، وأغرقت عاصفة ممطرة الحشود التي تجمعت لمشاهدة حفل الافتتاح. كما أن جودة مياه نهر السين كانت لا تزال غير آمنة للسباحة.
ولكن في اليوم التالي توقفت الأمطار، وبدأت المنافسات، وبعد أسبوعين انتهت الألعاب. ألعاب احتفي بها باعتبارها الأكثر إثارة ونجاحاً منذ سنوات عديدة. والفضل في ذلك يجب أن يعود للمنظمين الفرنسيين، ومدينة باريس، وآلاف الرياضيين في هذا الحدث الرياضي التاريخي. وفضلاً عن ذلك، فإن هذه الألعاب عززت تقييمات الرئيس إيمانويل ماكرون الإيجابية ووضعت معايير عالية للوس أنجلوس حينما تستضيف الألعاب القادمة في 2028.
الألعاب كانت مميزة ليس فقط بالنظر إلى الإنجازات التي حققها الرياضيون، ولكن أيضاً بالنظر إلى تنوع الميداليات التي فازت بها دول صغيرة لم يسبق لها أن حققت أي فوز في الماضي. ولعل المهم بشكل خاص هو العدد الكبير من النساء اللاتي فزن بميداليات، وشمل ذلك ميدالية ذهبية في سباق 100 متر لجوليان ألفريد من سانت لوسيا، التي يبلغ عدد سكانها 180 ألف نسمة.
هذه السنة، تساوى عدد النساء المشاركات في الألعاب مع عدد الرجال. واللافت هنا أن النساء الأميركيات فزن بميداليات أكثر من الرجال الأميركيين وتفوقن على نظرائهن من الرجال في منافسات ألعاب القوى والجمباز. ويعود أحد أسباب نجاح الفرق النسائية الأميركية إلى المزايا طويلة الأمد للمادة التاسعة من «قانون تعديل التعليم» لعام 1972، والتي تنص على تكافؤ الفرص والمساواة في وصول النساء إلى جميع البرامج الرياضية التي تتلقى مساعدة مالية فيدرالية.
وعلى الرغم من الحروب المتواصلة في أوكرانيا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وأفريقيا، إلا أن ألعاب باريس خلت من احتجاجات سياسية كبيرة. ويعزى ذلك بشكل رئيسي إلى قرار اللجنة الأولمبية الدولية حظر مشاركة فرق روسيا وبيلاروسيا بسبب أزمة أوكرانيا في 2022. هذا القرار تعرض لانتقادات لاذعة من قبل روسيا، وحُرمت بسببه الألعاب من مشاركة وأداء بعض الرياضيين الروس الموهوبين بشكل استثنائي. غير أنه مما لا شك فيه أن وجود وفد روسي كبير كان من شأنه أن يثير احتجاجات. والأكيد أنه إذا انتهت الحرب الأوكرانية العام المقبل، فإن روسيا ستعود للمشاركة في ألعاب لوس أنجلوس.
التحديات المستقبلية التي تواجه هذه الأحداث الرياضية الدولية الكبيرة تشمل ارتفاع تكاليف استضافتها. فإيطاليا ستستضيف دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في 2026 بينما ستستضيف فرنسا الألعاب نفسها في 2030. هذا في حين اختيرت مدينة بريسبان الأسترالية لاستضافة الألعاب الأولمبية الصيفية في 2032. أما فيما يتعلق بكأس العالم لكرة القدم، فستتقاسم الولايات المتحدة والمكسيك وكندا مسؤوليات الاستضافة في 2026، بينما ستقوم إسبانيا والبرتغال والمغرب بالمثل في عام 2030. وستكون المملكة العربية السعودية المضيف الوحيد لكأس العالم 2034.
هذه الأحداث الرياضية الدولية تحظى بشعبية كبيرة وتتيح فرصة لكل بلد مضيف ليُظهر إنجازاته الثقافية للعالم، وتشكّل مناسبة يقدّم خلالها الفنانون والرياضيون عروضهم لجمهور عالمي. وعلاوة على ذلك، يمكن للبلد المضيف أن يستفيد من السياحة والتجارة والاستثمارات التي تدرّها هذه الألعاب. كما يمكن لحقوق البث التلفزيوني الدولي أن تساعد على تعويض أو التخفيف من التكاليف المرتفعة للجان الرياضية في البلد المضيف. هذا علماً بأن بعض الحكومات نفسها تساعد في دفع تكاليف هذه الفعاليات.
والواقع أنه ليس هناك دليل قاطع على أن الصوة الإيجابية التي تخلقها هذه الألعاب تولد فوائد سياسية مهمة للبلد المضيف. غير أن حدثاً ناجحاً يستطيع أن يحسّن صورة وسمعة البلد المضيف بشكل يعوّض ويخفف من المخاطر الكبيرة التي تنطوي عليها الاستضافة. وعلى سبيل المثال، فإن اليابان عانت من وضع صعب حين واجهت معضلة خلال جائحة كوفيد إذ اضطرت إلى تأجيل الألعاب المقررة لـ2020 إلى 2021، ومن ثم الحد من عدد الأشخاص الذين يمكنهم حضور الألعاب. غير أن الأمر هنا يتعلق بحالة استثنائية نأمل ألا تتكرر قريباً.
*مدير «البرامج الاستراتيجية» بمركز ناشيونال إنترست في واشنطن