اهتزت أسواق المال العالمية «البورصات» بشدة يوم الاثنين قبل الماضي بتاريخ الخامس من أغسطس الجاري، بما فيها أسواق المال الخليجية، في ما سمي بيوم اثنين أسود آخر، على اعتبار أنه سبقه عدد من أيام الاثنين السوداء، بما في ذلك في بتاريخ 19 أكتوبر من عام 1987 عندما انخفض مؤشر «داو جونز» بنسبة كبيرة بلغت 22.6% في يوم واحد، وكذلك عام 2008 عندما حدثت الأزمة المالية العالمية التي نجمت عن أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأميركية، أمّا آخرها، فقد كان يوم الاثتين بتاريخ 16 مارس 2020 والذي كان أقل حدة من سابقيه.
وصدرت الكثير من التحليلات التي وضحت طبيعة الهزة الأسبوع قبل الماضي، والتي كانت سريعة ومؤقتة، إلا أن ما يهمنا هنا هو تأثيراتها على أسواق المال الخليجية التي تعاملت مع رد الفعل في الأسواق الأميركية والأوروبية، حالها في ذلك حال معظم الأسواق العالمية.
والسؤال هنا يدور حول، هل استدعى الأمر كل هذا الهلع بالبورصات الخليجية؟ والذي أدى إلى موجة بيع كبيرة انخفضت معها أسواق المال في المنطقة بنسبة تجاوزت 4% في بعضها؟ مما فاق نسبة الانخفاض في بعض الأسواق الغربية!
وإذا نظرنا إلى أسباب الهزة، سنجد إنها تتعلق أساساً بوضع الاقتصاد الأميركي بعد صدور بعض المؤشرات، كإمكانية الركود وانفجار فقاعة أسهم شركات التكنولوجيا، وهو ما أشرنا إليه هنا قبل شهر، وكذلك معدل البطالة، باعتبار أن أسواق الأسهم تعتبر مرآة للاقتصاد.
لذلك، لا توجد علاقة مباشرة بين هذه الأسباب والاقتصادات الخليجية التي تنمو بصورة طبيعية وتحقق معدلات نمو جيدة وتتمتع بمعدلات تضخم وبطالة معتدلة، مما لا يبرر حالة الهلع التي اصابت معظم المستثمرين، وبالأخص الصغار منهم، والذين جروا خلف القطيع دون إلمام بأساسيات أسواق المال الخليجية، تلك الأساسيات القوية إلى جانب قوة الاقتصاديات الخليجية.
صحيح أن الاقتصاد العالمي أصبح مترابطاً ومتداخلاً بصورة غير مسبوقة، وأن أي تأثير في منطقة معينة سيترك آثاراً على بقية المناطق، وخصوصاً إذا كان هذا الحدث يخص اقتصاد الولايات المتحدة، باعتباره أكبر اقتصاد عالمي بعملة قيادية وريادة في شركات التكنولوجيا المتطورة، إلا أن ردة الفعل لا بد وأن تكون في حدودها الطبيعية لا أن تتجاوز نسبها مثيلاتها في مركز الأزمة! حيث انخفض مؤشر داو جونز بنسبة 2.6% فقط.
ويمكن تفسير ذلك نتيجة لبعض العوامل، والتي يأتي في مقدمتها ضعف الثقافة الاستثمارية في المنطقة، والتي تؤدي بمعظم المستثمرين للجري وراء المخاوف والمضاربات، وتؤدي إلى تكبدهم خسائر جسيمة، كما تعتبر مثل هذه التطورات ظروفاً ملائمة للمضاربين لتحقيق مكاسب كبيرة لمعرفتهم بأساسيات الأسواق المالية، بدليل الارتداد القوى للبورصات الخليجية في اليوم التالي لتحقق نسب نمو وارتفاعات جيدة للأسهم المدرجة كافة تقريباً.
ومع أن ظروفاً مشابهة مرت بها أسواق المال الخليجية من قبل، إلا أنه لم يتم للأسف الاستفادة من التجارب السابقة، حيث تؤكد التجربة الحالية، والتي أشرنا باختصار إلى أسبابها وحيثياتها ضرورة التأني والتزام جانب الحيطة والحذر واتباع التحليل المالي والمحاسبي الصحيح قبل اتخاذ أية قرارات استثمارية، بما فيها التعامل في أسواق المال، وذلك لتجنب الخسائر، والحصول على عائدات مجزية للاستثمار، حيث تعتبر التوزيعات السنوية للشركات المدرجة في أسواق المال الخليجية، واحدة من أفضل التوزيعات في العالم.
ولا بد من الاتعاظ والاستفادة من التجارب السابقة مع العمل على تخفيض المخاطر من خلال تنوع الاستثمارات مهما كانت صغيرة، وتكوين محافظ استثمارية متنوعة، سواء على مستوى الأشخاص، أو المؤسسات، والذي يعتبر أسساً للاستثمار الناجح والمربح.
*مستشار وخبير اقتصادي