يأتي احتفال العالم باليوم الدولي للشباب، هذا العام، في ظل تحدياتٍ مناخيةٍ غير مسبوقة تواجهها البشرية، ما يطرح تساؤلات ضرورية حول أهمية الاستفادة من قدرات وطاقات الشباب للتصدي لهذا التحدي، والحؤول من دون تفاقم تداعياته السلبية في المستقبل، لأن الشباب هم أكثر المعنيين بهذا المستقبل، والأعلى تأثراً بما سيحدث فيه.
وقد أدركت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ وقت مبكر أهمية دور الشباب في مواجهة التغير المناخي، ووضعت خططاً متكاملة من أجل تنمية وعيهم بأهمية هذا التحدي بدءاً من المناهج التعليمية، لأن المدرسة هي الحاضنة التي يتكون فيها وعي الطلاب منذ سنوات عمرهم الأولى، ويتحدد جزءٌ كبيرٌ من أولوياتهم تبعاً لما يتلقونه فيها من أفكار وآراء وحقائق. وفي هذا الإطار، فقد جرى تضمين مبادئ الاستدامة ومفاهيمها في المناهج الدراسية في مختلف المراحل التعليمية بالدولة، منذ سنوات الدراسة الأولى، حيث يجري غرس قيمة الحفاظ على البيئة، والتعامل الرشيد مع الموارد المتاحة، وتعزيز القدرة على ترشيد الاستهلاك وتقنينه.
وإلى جانب المناهج الدراسية، تعزز المؤسسات التعليمية مفاهيم الاستدامة من خلال تنفيذ مبادرات وبرامج مبتكرة للتوعية البيئية في المؤسسات التعليمية، مثل زراعة الأشجار، وإعادة التدوير، والانخراط في أنشطة تعاونية تُعنى بالحفاظ على البيئة وتعزز الشعور لدى الطلبة بأهمية ما يفعلون، ودوره في بناء مستقبل أفضل لهم ولمجتمعهم، وذلك بالتعاون مع مؤسسات وطنية أخرى.
كما توفر جامعات الدولة عدداً من الدرجات العلمية والبرامج التعليمية في مجال الاستدامة، تتيح لخريجيها تطوير معارفهم ومهاراتهم ويُمكِّنهم من مواجهة التحديات البيئية. وفي السياق نفسه، فإن حركة البحث العلمي في الموضوعات ذات الصلة بالاستدامة، تكتسب فاعلية وزخماً من خلال الشراكات مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، ما يعزز التوصل إلى نتائج مهمة وحلول علمية مبتكرة للقضايا البيئية.
وكان هذا التأهيل والإعداد المدروس أساساً لنجاح شباب دولة الإمارات في الوصول إلى التقدم المنشود في مؤتمر «كوب 28»، الذي استضافته الدولة العام الماضي. فقد عينت دولة الإمارات معالي شما بنت سهيل المزروعي، وزيرة تنمية المجتمع، في موقع رائد المناخ في المؤتمر، لتكون أول رائدة مناخ للشباب على الإطلاق تشغل منصباً وزارياً. وتولت معالي شما بنت سهيل المزروعي مسؤولية التعامل مع الشباب على مستوى العالم في الفترة التي سبقت انعقاد المؤتمر، وخلال انعقاده، بما يشمل التعاون مع أصحاب المصلحة المحليين والعالميين لتوفير فرص بناء القدرات للشباب، ووضع آليات لتمويل ابتكارات الشباب في هذا المجال.
وبلغت نسبة الشباب ضمن فريق مفاوضي دولة الإمارات في «كوب 28» نحو 70 في المئة، وهو الفريق الذي اختير من بين أصحاب الكفاءات الواعدة لإدارة وتنسيق المسارات التفاوضية خلال المؤتمر وما بعده. وقد أدى هذا الفريق التفاوضي دوراً أساسيّاً في نجاح المؤتمر، وتحقيق اختراق تاريخي في مسيرة العمل العالمي من أجل مكافحة تغير للمناخ، كما يظهر في وصف جون كيري، المبعوث الأميركي الخاص للمناخ لحظة توقيع الاتفاق النهائي في المؤتمر بأنها «لحظة يتلاقى فيها العمل متعدد الأطراف، ويتخلى الناس عن المصالح الفردية ويحاولون تحديد الصالح العام».
ولم تقتصر جهود الدولة على أبناء الإمارات وحدهم، بل امتدت مساعيها الخيرة إلى إتاحة الفرصة لكل شباب العالم للمساهمة في هذه المهمة، منذ وقت مبكر، ومن بينها إطلاق منصة «شباب من أجل الاستدامة»، عام 2016، التي تضمنت مبادرات نوعية، بهدف الوصول إلى مليون شاب في كل أنحاء العالم بحلول عام 2030، من خلال توفير تجربة تعليم متنوعة وتعزيز الوعي بالمهارات اللازمة من أجل وظائف المستقبل في مجال الاستدامة. وتشير هذه المنصة، وغيرها من المبادرات المشابهة، إلى أن دولة الإمارات كانت في طليعة الدول التي أدركت أهمية دور الشباب في مواجهة التغير المناخي، ووظفت طاقاتهم أفضل توظيف، من أجل مستقبل أفضل للبشر في كل مكان من العالم.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية