منذ عملية اغتيال إسماعيل هنيّة رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في طهران، والعالم يحبس أنفاسه تحسباً للرد الإيراني المحتمل، وهو ما يهدد أمن المنطقة التي ليست في طريقها للخروج قريباً من النفق المظلم الذي هي فيه الآن، وبالتالي لا أفق لنهاية الحرب في الأراضي المحتلة التي تزيد سوء أوضاع الشعب الفلسطيني الأعزل سوءاً بعد خسارة أرواح عشرات الآلاف، وتشريد الملايين ممن يهيمون اليوم بلا مأوى على وجوههم، يحاصرهم الجوع والعطش، وتفتك بهم الأمراض والأوبئة، وخصوصاً الأطفال، وتحديداً أولئك الذين يعانون من أمراض عضال.
والمنطقة التي تعيش منذ شهور على فوهة بركان، لم تكن بحاجة لسكب مزيد من الزيت على النار، لكن عملية اغتيال هنيّة وبالطريقة التي تمت بها أججت النار أكثر. كذلك كان الأمر بعد اختيار يحيى السّنوار لرئاسة المكتب السياسي لحركة «حماس» بعد أن كان رئيس مكتبها السياسي في قطاع غزة فقط.
هذان الأمران أدّيا لخلط المزيد من الأوراق، وأولى القضايا التي ستتأثر بهما حتماً ملف مفاوضات الهدنة المتعثر أصلاً بين إسرائيل وحركة «حماس»، ما يعني أن مزيداً من التصعيد سيحدث لتبقى حيوات ملايين مهددة بالفعل، الملايين الذين يعيشون ظروفاً لا يمكن حتى تخيّل مدى ضراوتها.
البعض يرى أن السّنوار «الرجل الحي الميت» هو صانع القرار الأعلى- وربما الوحيد - في «حماس» داخل فلسطين وخارجها، وبالتالي فإن اختياره ما هو إلا رسالة تصعيد وتهديد، ولذلك لم يتأخر الرد الإسرائيلي بالدعوة إلى «تصفية» السّنوار عاجلاً من قبل وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس.
ولا يبتعد هذا الموقف كثيراً عن مواقف بقية أعضاء حكومة نتنياهو. فجميعهم يشيرون بأصابع الاتهام نحو السّنوار، معتبرين أنه العقل المدبر الذي يتحمل مسؤولية تخطيط وتنفيذ ما جرى في 7 أكتوبر الماضي، مما أدى إلى تفجّر الأوضاع، واشتعال الحرب الدائرة في قطاع غزة منذ 10 شهور، فضلاً عن أن السّنوار هو أحد أهم المطلوبين على قائمة الاغتيالات.
مسؤولية السّنوار عما حدث أكدها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي قال إن «السّنوار كان ولا يزال صانع القرار الرئيسي بصفقة الرهائن ووقف إطلاق النار»، وأن كلاً من إسرائيل و«حماس» بحاجة إلى تجنب الإجراءات التي من شأنها أن تعوّق الانتهاء من الصفقة دون تأخير ودون أعذار.
من جانب آخر، لا يبدو المشهد العالمي أفضل حالاً مما يجري في المنطقة. ففي بريطانيا لم يكد حزب «العمال» يلتقط أنفاسه بعد عودته للحكم حتى وجد نفسه في أتون أزمة كبرى افتعلها اليمين المتطرف، وأثارت ذعر المهاجرين، وخصوصاً المسلمين منهم. كانت الحكومة الجديدة تطمح إلى تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي بعد فترة من التوترات السياسية والاقتصادية التي مرت بها بريطانيا، غير أن أعمال الشغب انتشرت في عدة مدن، من بينها لندن، بلفاست، بريستول، بلاكبول، هال، ليدز، مانشستر وغيرها.
أما في بنجلاديش - البلد الآسيوي الفقير ذو الأغلبية المسلمة - فقد أطاحت ثورة الجياع برئيسة الوزراء حسينة واجد بعد 16 عاماً في سدة الحكم، واستُدعي محمد يونس لقيادة البلاد في المرحلة الانتقالية هذه.
اضطراب المشهد العالمي هذا يعني بالضرورة اضطراب الوضع الاقتصادي. فقد خسرت البورصات العالمية ما يتجاوز 6.4 ترليون دولار، لكن، هل ستلوح في الأفق أجواء أزمة جديدة تُضاف إلى قائمة الأزمات التي يعاني منها العالم منذ «عام كورونا»؟ وهل سيجرّ الاضطراب العالمي كل العالم إلى ما يشبه ما حدث عام 2008؟ ربما نعم.. وربما لا!