يتوارد إلى مسامعنا بصورة دائمة عبارة (سوق العمل ديناميكي ومتغير) وهو وصف لحال سوق العمل قد يرتبط بعدة جوانب. الجانب الأول احتياجات المجتمع المحلي أو الدولي الذي يلبي سوق العمل متطلباته من الإنتاج، والجانب الثاني خاص برؤوس الأموال وحركتها، أما الجانب الثالث فيتصل بآلية الإنتاج والمعدات والأجهزة والبرامج المستخدمة فيها، وأخيراً، يعكس الجانب الرابع التقنيات التكنولوجية المستخدمة في جميع مجالات سوق العمل.
ولكن عندما يتعلق الأمر بنظام التعليم وسوق العمل فإن ديناميكية الأخير وتطوراته المتسارعة دائماً ما ترتبط بمخرجات الأول وقدرة مؤسساته على إعداد الخريجين لاحتياجات سوق العمل. ومن المعلوم أن التخصصات الأكاديمية التي تطرحها مؤسسات التعليم العالي تحظى باهتمام خاص لسببين رئيسيين. الأول أن جهات العمل الحكومية والخاصة تتوقع أن تقوم مؤسسات التعليم العالي بتصميم وطرح البرامج الأكاديمية المناسبة لسوق العمل، والثاني أن الجهات نفسها تتوقع من مؤسسات التعليم العالي أن تقوم بإعداد وتأهيل الخريجين لسوق العمل بطريقة سليمة ومناسبة.
ومن الملاحظ أنه ومنذ منتصف القرن العشرين، شهدت غالبية المجتمعات تسارعاً كبيراً في وتيرة التغيير في الاقتصاد والتكنولوجيا، والذي انعكس على سوق العمل. وبالتالي أصبحت النظم التعليمية، وخاصة في المرحلة الجامعية، ملزمة بإعداد وتأهيل الطلبة بصورة مغايرة لما كان عليه الوضع سابقاً. وقد أبرزت العديد من الدراسات أهمية «مهارات القرن الحادي والعشرين» لسوق العمل، وهي سلسلة من المهارات والقدرات وميول التعلم التي تم تحديدها باعتبارها مطلوبة للنجاح في مجتمع القرن الحادي والعشرين وأماكن العمل مقارنة بالمهارات الأكاديمية التقليدية القائمة على المعرفة.
وتتضمن تلك المهارات على سبيل المثال وليس الحصر، التفكير التحليلي والنقدي وحل المشكلات المعقدة والعمل الجماعي، والتواصل بفعالية والتعاون مع أقران متنوعين وتبني عقلية عالمية والانخراط في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتفاعل الشخصي والقدرة على التكيف والإدارة والتعلم الذاتي.
ونتيجة لذلك، بادرت بعض الحكومات بجانب أصحاب الأعمال لإصدار تقارير ودراسات تحدد المهارات الأساسية المطلوب امتلاكها من قبل الخريجين الجامعيين مع توجيه مؤسسات التعليم العالي بضرورة دمج المنهاج الأكاديمي مع الخبرة العملية لتحسين العلاقة بين مخرجات تلك المؤسسات وسوق العمل. وقد قامت العديد من الجامعات بالفعل بالتجاوب مع تلك المطالب، فعلى سبيل المثال نجد بعض الجامعات البريطانية تقوم بتعديل مناهجها لكي تلائم التوجه الرسمي للحكومة، ومن تلك الجامعات «نيو كاسل» و«لوتون»، واللتان قامتا بدمج المهارات المهنية المطلوبة لسوق العمل ضمن المناهج. والمثال الثاني في أستراليا، والتي قادت فيها عدة حكومات جهوداً كبرى لإحداث تغيير جذري في المناهج الأكاديمية في العديد من مؤسسات التعليم، لتركز بشكل أساسي على تزويد الطلبة بالمهارات المهنية المطلوبة لسوق العمل. وقد استجابت العديد من الجامعات، ومنها جامعة جيمس كوك، لتلك الجهود الحكومية وقامت بتطوير مناهجها لكي تناسب متطلبات سوق العمل. والمثال الثالث من جنوب أفريقيا بادرت الحكومة لتأسيس «الإطار الوطني للمؤهلات NQF»، والذي يركز على توحيد المهارات المطلوب إكسابها للطلبة أثناء الدراسة الجامعية.
وهنا يتضح لنا أن المهارات أصبحت هي الركيزة الأساس في سوق العمل، الأمر الذي يلقي بأعباء ثقيلة على مؤسسات التعليم العالي لكي تواكب سوق العمل الديناميكي والمتغير.
*باحث إماراتي