يعد تعيين الحائز على جائزة نوبل محمد يونس رئيساً للحكومة المؤقتة في بنجلاديش، بعد استقالة وخروج رئيسة الوزراء الشيخة حسينة، فصلاً جديداً في تاريخ بنجلاديش. كانت البلاد قد انزلقت في حالة من الفوضى خلال الأيام الأربعة الأولى من هذا الشهر وبعد الإطاحة بحسينة، التي كانت أطول رئيسة وزراء في بنجلاديش خدمة في السلطة لأكثر من 15 عاماً.
وقد أدت تظاهرات طلاب الجامعة احتجاجاً على حجز الوظائف الحكومية من خلال نظام الحصص إلى الإطاحة بها. واستغلت هذه الاحتجاجات الغضب المتزايد ضد رئيسة الوزراء السابقة، التي عادت إلى السلطة في يناير من هذا العام وسط مزاعم بتزوير الانتخابات، حتى في يوم إقالتها، شهدت البلاد بأكملها فوضى وعنفاً واسع النطاق، وسط احتجاجات مناهضة للحكومة.
أدى محمد يونس، وهو اقتصادي بارز ورجل يتمتع بنزاهة عالية وسمعة دولية، علاوة على أنه رمز للجيل الشاب، اليمين الدستورية كرئيس للحكومة المؤقتة، حيث اختاره قادة الطلاب الذين قادوا الاحتجاجات لقيادة البلاد. وبعد فترة وجيزة من أدائه لليمين، أعلن أن مهمته الأولى هي استعادة القانون والنظام، مما يشير إلى أن فصلاً جديداً يُفتح في تاريخ بنجلاديش. وتتكون حكومة يونس المؤقتة الجديدة من خبراء من مختلف مناحي الحياة، وتشمل قادة الطلاب والزعماء العسكريين والناشطين الاجتماعيين وقادة الأعمال.
وكان يونس، الذي انتقد الشيخة حسينة وأسلوبها في الحكم، هو اختيار المحتجين الطلاب الذين قادوا الإطاحة برئيس الوزراء السابق. ومحمد يونس شخصية معروفة على المستوى الدولي، واشتهر باعتباره رائدَ حركة منح القروض الصغيرة.
وكان معروفاً بأنه مصرفي الفقراء، حيث أسس «بنك جرامين» أو «بنك القرويين» الذي يقدم قروضاً صغيرة للفقراء والفقراء للغاية في المناطق الريفية. وقد فاز بجائزة نوبل في عام 2006 لعمله الرائد في التخفيف من حدة الفقر في بنجلاديش. وبصرف النظر عن هذا، فقد حصل أيضاً على العديد من الجوائز المرموقة الأخرى، بما في ذلك وسام الحرية الرئاسي للولايات المتحدة. وفي عام 2011، بدأ يونس مناشدة الحكومة لتخليص البلاد من الفساد المستشري.
لكن حكومة حسينة، بدلاً من النظر في مخاوفه، أقالته من منصب رئيس البنك الذي أنشأه واتهمته أيضاً بانتهاك قوانين العمل، والتي يقول أنصاره إنها سياسة انتقامية، وإن التهم كانت تهدف إلى تشويه سمعته وتهميشه.لا شك أن محمد يونس تولى مسؤولية كبيرة في وقت مليء بالتحديات. فقد كانت بنجلاديش نموذجاً للنمو الاقتصادي في جنوب آسيا.
وهو الآن بحاجة إلى حماية النجاحات التي حققتها البلاد وضمان عدم تراجعها إلى الوراء. ووفقاً لغرفة التجارة والصناعة للمستثمرين الأجانب، فإن الأحداث الأخيرة في بنجلاديش أثرت سلباً على الاقتصاد مع تقدير أولي للخسائر بأكثر من 10 مليارات دولار في شهر واحد. ومن المتوقع أن تكون الخسارة الأكبر في قطاع الملابس في بنجلاديش، الذي ينتج حوالي 85% من صادرات البلاد، حيث ظلت مصانع الملابس مغلقة لفترات طويلة من الزمن بسبب الاحتجاجات والعنف الذي هز البلاد. والنبأ السار بالنسبة للبلاد هو أنه بمجرد تولي يونس السلطة، فتحت جميع مصانع الملابس تقريباً أبوابها، وعاد العمال إلى وظائفهم. يقول صندوق النقد الدولي إن احتياطيات النقد الأجنبي في البلاد وعملتها لا تزال تحت الضغط.
ولكن القضية الأكبر ربما تكون البطالة التي يُنظر إليها على أنها كانت وراء الاحتجاجات الضخمة في مجال الوظائف. ويعتقد البعض أنها السبب الرئيسي وراء الاحتجاجات التي اندلعت بسبب نظام الحصص الوظيفية الذي خصص 30% من الوظائف الحكومية لأسر قدامى المحاربين في حرب الاستقلال عام 1971 وأقاربهم. وكان مطلب المحتجين إلغاء نظام الحصص في الوظائف واستبداله بنظام قائم على الجدارة.
ومع ذلك، حتى قبل أن يتناول محمد يونس الوضع الاقتصادي في البلاد، سيتعين عليه أولاً فرض القانون والنظام في جميع أنحاء بنجلاديش. وبينما قاد الطلاب الاحتجاجات، لا شك أن بعض الأشرار والعناصر غير المرغوب فيها تسللوا إلى صفوفهم، مما أدى إلى تدمير الممتلكات والأرواح. لذا، فهو بحاجة إلى الحد من العنف على الفور وضمان القانون والنظام في البلاد، حيث أفادت تقارير عن قيام الأشرار والمجرمين بإتلاف ممتلكات الأقليات خلال الفوضى.
ولكن ما أذهل الناس هو سلوك الطلاب الذين تدخلوا لحماية المؤسسات التي تقطنها الأقليات من المجرمين والسيطرة على حالة القانون والنظام في غياب قوات الشرطة على الأرض. وقد اتُهمت قوات الشرطة في البلاد بالانحياز إلى الشيخة حسينة وتعذيب الطلاب وقتل الأبرياء. كما يواجه محمد يونس العديد من التحديات في ظل استمرار بنجلاديش في مواجهة مستقبل غير مؤكد إلى أن تُجرى الانتخابات أو تعيد الحكومة المؤقتة الحياة إلى طبيعتها في مختلف أنحاء البلاد.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي