في ظاهرة تعكس عودة الإرهاب السياسي الداخلي في الولايات المتحدة جرت محاولة لاغتيال مرشح الرئاسة «الجمهوري» والرئيس السابق دونالد ترامب أثناء إلقائه خطاباً ضمن حملته الانتخابية في ولاية بنسلفانيا. فقد أطلق شاب أميركي عمره عشرين عاماً النار باتجاه رأس ترامب، حيث مر الرصاص قريباً من الأذن اليمنى للمرشح «الجمهوري» في انتخابات الرئاسة.
وشاءت الأقدار ألا يصاب المرشح «الجمهوري» بسوء، ولو أصيب ترامب لحدثت له كارثة، وما إن نجا حتى اشتعلت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي متناقلة الخبر وبعبارات قوية مؤيدة من جانب أنصاره، مؤكدة دعم «الكتلة الصلبة» من الحزب «الجمهوري» وقطاعات عديدة من الذين لم تستقر آراؤهم بعد وغير المنتمين لأي من الحزبين «الديمقراطي» أو «الجمهوري»، مؤيدة لترامب ومعلنة رغبتها في التصويت له في انتخابات الخامس من نوفمبر. ومما يرشح عن المشهد السياسي الحالي أن الرصاص الذي أطلق باتجاه رأس ترامب، ولم يصبه بأذى عاد عليه بمنافع انتخابية كبيرة لم تكن متوقعة قبل ساعات قليلة من وقوع محاولة الاغتيال.
ويشير محللون سياسيون أميركيون إلى أنه لفترة قادمة قد تكون سنوات، أو حتى عقود ستحظى «الترامبية الجديدة» بزخم كبير، فالرصاص الذي كان: سيشكل كارثة لترامب والحزب الجمهوري تحول إلى ما يشبه الهبة التي هبطت من السماء لكى تدفع بحظوظ ترامب بالفوز إلى أعلى مستويات ممكنة لها.
لكن لو أن ترامب أصيب بسوء لدخل «الجمهوريون» في دوامة من الفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار. وما يحدث الآن هو العكس، فالحزب «الجمهوري» يبدو الآن أكثر استقراراً وتنظيماً، والبرنامج الانتخابي الذي وصفوه وأعلنوا على أساس منه دونالد ترامب كمرشح لهم يبدو أكثر قابلية للتطبيق.
وعلى ضوء التطورات الأخيرة في العاصمة واشنطن دي. سي من إعلان الرئيس جوزيف بايدن تنحيه عن خوض الانتخابات الرئاسية القادمة لولاية ثانية، وتزكيته لنائبة الرئيس كامالا هاريس لخوض الحملة الانتخابية كمرشح عن الحزب «الديمقراطيش يبدو بأن الأيام القادمة ستكون مليئة بالمفاجآت السياسية ربما غير المتوقعة، وذلك استكمالاً لديدن الحياة الجامعة السياسية الأميركية بشكل عام منذ تأسيس الولايات المتحدة، وهذا أمر معهود لدى الإنسان الأميركي.
لكن ما يهمنا بشكل أكبر في هذا المقام هو تجدد ظهور الإرهاب السياسي الداخلي ومحاولات اغتيال الرؤساء التي اختفت منذ محاولة اغتيال الرئيس الأسبق الفاشلة رونالد ريجان. في تقديري أن هذه العودة لم تأت من فراغ، لكنها أتت نتيجة قصور في التعامل مع الإرهاب المحلي، حيث تركز أجهزة مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة على التعامل مع ما يطلقون عليه بالإرهاب العالمي.
فمنذ أحداث تفجيرات نيويورك التي استهدفت مواقع تجارية معينة بتدميرها من الداخل، ثم أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011 التي استهدفت البرجين الشهيرين في نيويورك بطائرات مدنية مختطفة، ونفذتها مجموعة إرهابية وفدت من خارج البلاد، كما أعلن صار التركيز كاملاً على هذا الجانب وعلى من يسمونهم بالإرهابيين والمقاتلين الأجانب، باتت الأجهزة الأمنية الداخلية في الولايات المتحدة منشغلة بالخارج، ونسيت الداخل منذ حادثة أوكلاهوما التي نفذها شخص وحيد من أصول أميركية هو تيموثي ماكفي.
بهذه الطريقة أحادية الجانب الجانب أهمل المسؤولون عن مكافحة الإرهاب حقيقة أن الإرهاب لا جنسية ولا هوية ولا لون ولا ديانة له، وبأنه ليس مشروطاً أن تنفذه جماعة إرهابية متعددة الأفراد والجنسيات، أو تنظيم إرهابي قادم من الخارج، بل قد ينفذه فرد أو جماعة من داخل الولايات المتحدة ذاتها ودون سابق إنذار.
*كاتب إماراتي