عندما صعّدت الولايات المتحدة، ومعها حلفاؤها الأوروبيون «الحرب المالية» على روسيا، بتشديد العقوبات ضدها، راهنت على شل «اقتصاد الحرب»، ومتوقعة من أن موسكو في مواجهتها لاحتمال الانهيار الاقتصادي، ستضطر إلى التراجع في حربها ضد أوكرانيا المستمرة منذ 24 فبراير 2022.

ولكن خلافاً لذلك، فقد صمد الاقتصاد الروسي طوال 28 شهراً، مسجلاً نمواً هو الأفضل بين الاقتصادات المتقدمة، رغم الإنفاق الكبير على تمويل الحرب، إذ بلغ هذا النمو 3.6 في المئة في العام الماضي، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو 3.2 في المئة، خلال العام الحالي، بما يتجاوز معدلات النمو المتوقعة 2.7 في المئة للولايات المتحدة، و0.5 في المئة للمملكة المتحدة، و0.2 في المئة لألمانيا، و0.7 في المئة لفرنسا. لقد سبق لروسيا قبل الحرب، أن حصدت في العام 2019 ثمار«اتفاق التعاون» مع «أوبك»، محققة فائضاً قياسياً في موازنتها بلغ 32 مليار دولار، ما ساهم بدعم مدخرات «صندوق الرفاه الوطني»، التي بلغت 124 مليار دولار، أي ضعف حجمها عام 2018.

وانعكس هذا الإنجاز ارتياحاً كبيراً لدى الرئيس فلاديمير بوتين، الذي تفاءل بفترة التخطيط لتطويرالإيرادات الفيدرالية، من317.7 ملياردولار العام 2020 إلى 331.12 مليار العام2021، ثم إلى 343.9 مليار دولارعام 2022. وتبرز أهمية «صندوق الرفاه»، بعدما أصبح الصندوق الوحيد لاحتياطي روسيا، وتتمثل أهم أهدافه في تغطية عجز صندوق المعاشات التقاعدية، وضمان تغطية عجز ميزانية الدولة. كما يشكل «وسادة أمان» للاقتصاد الروسي في حال تراجعت أسعار النفط مجدداً، وتنفق الحكومة منه لتمويل مشاريع مختلفة، شريطة الحفاظ عل مدخراته بحدود حجم7% من الناتج المحلي الإجمالي.

وعلى رغم العقوبات الغربية القوية، والعراقيل الأميركية في طريق موسكو، لكبح تدفق النفط الروسي باستهداف «أسطول الظل»، فإن الاقتصاد الروسي تابع نموه، حيث بلغ الناتج المحلي نحو6 تريليونات دولار عام 2022، ثم ارتفع إلى 6.45 تريليون بنهاية العام 2023. وذلك مع الأخذ بالاعتبار أن حصة روسيا من واردات الغاز الأوروبية قد انخفضت من 40 في المئة عام 2021 (قبل الحرب) إلى 8 في المئة في العام الماضي، وفق بيانات الاتحاد الأوروبي. ولكن أرباحها من النفط ومكثفات الغاز والمنتجات النفطية، زادت بنسبة 4.3 في المئة إلى4.1 تريليون روبل (نحو 44 مليار دولار).

ووفق تقرير وزارة المالية الروسية، زادت الإيرادات المحققة في النصف الأول من العام الحالي بنحو700 مليار روبل لتبلغ 5.7 تريليون روبل، ويعود السبب إلى ارتفاع أسعار النفط الروسي من نوع «يورالس»، وبيعه بسعر أعلى من السقف الذي حدده الغرب عند 60 دولاراً للبرميل، الأمر الذي يساهم في تخفيض عجز الموازنة المقدر بنحو 16 مليار دولار، علماً أن الوزارة تخطط لإنفاق36.7 تريليون روبل، في سياق زيادة الإنفاق الدفاعي لتمويل الحرب في أوكرانيا.

ولكن مع صمود الاقتصاد الروسي في مواجهة العقوبات الغربية، فهو يواجه تحديات داخلية، كارتفاع مخاطر التضخم الذي سجل في يوليو الماضي 9.22 في المئة، ما اضطر البنك المركزي إلى رفع سعر الفائدة المصرفية إلى 18في المئة، ويرى المراقبون أن هذا التضخم أصبح سمة يصعب التخلص منها في اقتصاد الحرب، الذي يواجه إنفاقاً عسكرياً، ونقصاً في العمالة، وزيادة في الأجور، وارتفاعاً في الأسعار.

ومع استمرار هذه الحرب التي ترى واشنطن أن الكرملين حوّلها إلى «اقتصاد حرب»، تخطط وزارة الخزانة الأميركية للتوسع في برنامج العقوبات ضد روسيا، وأكدت الوزيرة جانيت يلين أننا نعمل على زيادة المخاطر التي تواجهها المؤسسات المالية التي تتعامل مع اقتصاد الحرب الروسي، ونقضي على مسارات التهرب، ونقلل من قدرة روسيا على الاستفادة من الوصول إلى التكنولوجيا والمعدات والبرمجيات، وخدمات تكنولوجيا المعلومات الأجنبية.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية.