أكدت زيارة وزير الخارجية الهندي الدكتور «سوبرامانيام جايشانكار» إلى لاوس هذا الأسبوع على الأهمية المستمرة لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) بالنسبة لسياسة الهند في التوجه شرقاً. ورابطة الآسيان هي اتحاد سياسي واقتصادي يضم عشر دول في جنوب شرق آسيا، وهي إندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلاند وبروناي وفيتنام ولاوس وميانمار وكمبوديا.
لأكثر من عقد من الزمان، كانت الهند تركز على توسيع التعاون السياسي والاقتصادي والأمني مع دول رابطة الآسيان، ولا يزال هذا يشكل أولوية قصوى بالنسبة لنيودلهي. كما شهد هذا العام مرور عقد من الزمان على «سياسة الاتجاه شرقاً» التي تنتهجها الهند، والتي أعلن عنها رئيس الوزراء ناريندرا مودي في قمة شرق آسيا التاسعة في عام 2014. وقبل ذلك، كان التواصل مع جنوب شرق آسيا يُطلق عليه «التطلع شرقاً». وبالنسبة للهند، يظل تعزيز العلاقات مع رابطة دول «الآسيان»، في جنوب شرق آسيا، أمراً مهماً حيث تسعى إلى تعزيز دورها العالمي في المنطقة. وباعتبارها اقتصاداً رائداً، ازدادت أهمية الهند وهذا يعني أنها سعت إلى تعزيز تعاونها مع جنوب شرق آسيا. كما تعتقد الهند أن مركزية رابطة الآسيان تشكل مفتاحاً لمنطقة المحيط «الهادئ الهندي» الحرة والمفتوحة والشاملة والمسالمة والمزدهرة، والتي تقوم على نظام دولي يستند إلى القواعد. وتعتقد الهند أن رابطة دول الآسيان القوية والموحدة يمكن أن تلعب دوراً بناءً في البنية الإقليمية الناشئة لمنطقة المحيط الهادئ الهندي.
تعود العلاقات بين الهند ورابطة دول الآسيان إلى أكثر من ثلاثة عقود، وكان هناك اعتراف بوجود تقارب في وجهات النظر. أصبحت الهند شريكاً قطاعياً لرابطة دول الآسيان في عام 1992، وشريكاً للحوار في عام 1996، وشريكاً على مستوى القمة في عام 2002. وفي عام 2012، تمت ترقية العلاقة إلى شراكة استراتيجية. هناك 30 «آلية حوار» تغطي مجموعة كاملة من المجالات بين الجانبين. في عام 2017، دعا رئيس الوزراء مودي قادة جميع دول رابطة الآسيان العشر لحضور احتفالات يوم الجمهورية الهندية. والتي تشمل عرضاً عسكرياً سنوياً يستعرض القوة العسكرية الهندية والتنوع الثقافي. عادة ما يتم توجيه الدعوة لحضور هذا الاحتفال إلى دولة ترغب الهند في تعزيز علاقاتها بها بشكل أكبر وتعتبر تلك الدولة مهمة لدبلوماسيتها.
وهناك جانب رئيسي آخر لعلاقة الهند مع رابطة دول الآسيان يتمثل في تعزيز علاقاتها مع دول الرابط بشكل ثنائي. وقد ركزت الهند على تعزيز العلاقات الثنائية الفردية مع دول جنوب شرق آسيا. وتجلى هذا خلال زيارة رئيس الوزراء الفيتنامي «فام مينه تشينه» إلى الهند هذا الأسبوع. وكان تشينه في زيارة دولة في وقت سابق من هذا الشهر أجرى خلالها محادثات مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي، وأجرى لقاءات مع قادة الأعمال لمناقشة سبل دفع التعاون الاقتصادي والدفاعي الوثيق مع الهند.
خلال المداولات بين الجانبين، عرضت الهند تقديم خطوط ائتمان بقيمة 300 مليار دولار لفيتنام لبناء زوارق دورية وسفن خفر السواحل. كما اتفق البلدان على إعطاء أولوية للتعاون الصناعي في مجال الدفاع أولوية. وافتتح مودي وتشينه افتراضياً حديقة برمجيات الجيش الفيتنامية، وهو معهد تم إنشاؤه بمساعدة هندية لتدريب الجنود الفيتناميين على المهارات الرقمية. ويستند هذا إلى تعاون دفاعي سابق تراوح بين إهداء الهند العام الماضي لفيتنام «سفينة البحرية كيربان»، وفي عام 2022 تسليم 12 قارب حراسة عالي السرعة لفيتنام.
تعمل الهند على تعميق وجودها في جنوب شرق آسيا، بما في ذلك تعاون دفاعي أكبر. وقد بدأت هذا العام في تصدير صواريخ «براهموس» إلى الفلبين بموجب اتفاقية تم إبرامها عام 2022 بقيمة 375 مليون دولار. ويعد الصاروخ، الذي أنتجته شركة «براهموس للفضاء الجوي المحدودة»، مشروعاً مشتركاً بين الهند وروسيا، وسيتم استخدامه من قبل فوج الدفاع الساحلي التابع لقوات مشاة البحرية الفلبينية.
في الواقع، يُنظَر إلى جنوب شرق آسيا باعتبارها واحدة من العديد من المناطق المحورية بالنسبة للهند عندما يتعلق الأمر بتصدير الأسلحة، حيث أعلنت الهند أنها مستعدة لتوريد أنواع مختلفة من أنظمة الصواريخ والطائرات المقاتلة الخفيفة والمروحيات والسفن الحربية وأنظمة الحرب الإلكترونية إلى دول حوض المحيط الهندي. وفي الوقت نفسه، أجرت الهند أيضاً تدريبات بحرية مع دول أخرى في جنوب شرق آسيا، بجانب تدريب مواطني هذه الدول.
لا شك أن منطقة جنوب شرق آسيا تكتسب أهمية متزايدة في ظل سعي الهند إلى تعزيز مكانتها في التعامل مع القضايا العالمية الأخرى التي تواجه العالم، في حين أن المحيط الهندي يشكل منطقة النفوذ الأساسية للهند، بل ويمكن النظر إلى جنوب شرق آسيا باعتبارها جزءاً من الجوار الممتد. وفي الوقت نفسه، تسعى الهند إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع رابطة دول الآسيان.
وفي هذا الصدد، تعتزم الهند مراجعة اتفاقية التجارة في السلع بين رابطة دول الآسيان والهند. وفي حين تهدف المراجعة إلى مساعدة التصنيع الهندي من خلال إزالة بعض الأحكام، فإن الهدف العام هو توسيع نطاق التجارة مع جنوب شرق آسيا بطريقة مستدامة. وقد دخلت اتفاقية التجارة في السلع بين رابطة الآسيان والهند حيز التنفيذ في يناير 2010.
من الواضح أن العلاقات بين الهند ورابطة دول «الآسيان» تشهد تحسناً مستمراً، ومن المتوقع أن تشهد المزيد من التحسن.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي