التنظيمات السرية لدى جماعات الإسلام السياسي تتحول لدى أتباعها إلى ما يشبه حالة الإدمان التي لا يستطيعون الانعتاق منها إلا بالمواجهة الرادعة، فهم محتلون فكرياً وأيديولوجياً ومرتبطون بتنظيماتٍ خارجيةٍ مثل «التنظيم الدولي»، وتديرهم دولٌ إقليمية ودوليةٌ تجد مصالحها في ضرب استقرار الدول وأمنها، ولذلك فهؤلاء الأتباع لا يردون يد لامسٍ في كل ما يضرب بدولهم وشعوبهم.

قبل يومين أعلنت وكالة الأنباء الإماراتية «وام» عن تنظيم جديد للإخوان المسلمين في الإمارات، ونشرت ما نصه: «كشفت التحقيقات التي تباشرها النيابة العامة، تحت إشراف النائب العام، عن تنظيم سري جديد خارج الدولة، شكله الهاربون من أعضاء تنظيم دعوة الإصلاح (الإخوان المسلمون الإماراتي) المصنف إرهابياً في الدولة، المقضي بحله عام 2013، لإعادة إحياء التنظيم، وبهدف تحقيق ذات أغراضه.

وكانت المتابعة الأمنية للهاربين من مختلف إمارات الدولة، ممن صدرت ضدهم أحكام غيابية عام 2013، قد أسفرت عن رصد مجموعتين من أعضاء التنظيم تلاقوا في الخارج، وآخرين استقطبوهم فانضموا إليهم وشكلوا تنظيماً جديداً، وأنهم تلقوا أموالاً من التنظيم في الإمارات ومن جماعات وتنظيمات إرهابية أخرى خارج الدولة، كما كشفت التحقيقات عن أن التنظيم أقام تحالفات مع جماعات وتنظيمات إرهابية أخرى، للعمل معها من خلال قطاعات إعلامية واقتصادية وتعليمية، سعياً إلى تقوية صلته بها، ولتوفير جانب من التمويل، وتثبيت وجود التنظيم، وتعزيز أدوات حمايته في الخارج، وتحقيق أهدافه».

هذا إعلان دقيق يحمل كافة علامات التنظيمات السرية ونفس طرائقها المعروفة وذات أساليبها المعهودة، وتكفي أي متابعٍ وخبيرٍ مثل هذه التفاصيل ليربطها بتاريخ هذه التنظيمات ليجد نفسه أمام بنية متكاملة تستحق المتابعة والرصد، وهو ما تصنعه النيابة العامة في الإمارات تحت ظل الدستور والقوانين والأنظمة المرعية.

قبل اثنتي عشرة سنة كتب كاتب هذه السطور بحثاً مطولاً عن جماعة الإخوان في الإمارات ونشر في هذه الصحيفة بتاريخ 6 أغسطس 2012 بعنوان «الإمارات وتنظيم الإخوان المسلمين السري»، وجاء فيه (كان «الإخوان» يستخدمونه «التنظيم المحلي» على الدوام بحسب حاجاتهم وأهدافهم، ففي مرحلةٍ معينةٍ كان هذا التنظيم يستخدم لجباية الأموال، وفي هذا يقول أحد عناصر الإخوان: «يلاحظ أن أقطار الخليج والجزيرة ممثلة بثقل يفوق أهميتها بكثير، فحاجة التنظيم الدولي للإخوان للمال تتم تلبيتها من خلال ذلك... فمندوبو السعودية وقطر والإمارات والبحرين والكويت، يتم دائماً توظيفهم في عملية جباية الأموال للتنظيم الدولي للإخوان».

وهو ما أشار له أحد الكوادر الإخوانية كذلك حين قال إنّ تلك «الأموال تقدر بالمليارات، ولك أن تتصوّر حجم الأموال التي تمّ تحويلها للإخوان عن هذا الطريق، وهو سبيلٌ واحدٌ، فما بالك بباقي دول الخليج وباقي الأساليب المتبعة للسيطرة على المال وإنفاقه في سبيل تحقيق أغراضهم، ناهيك عن جمع أموال الزكاة من جميع أغنياء المسلمين في الخليج»).

منطق التاريخ وطبيعة البشر والتصلب الأيديولوجي يثبت في عوامل متعددة أن مثل هذه التنظيمات لا تتلاشى بسهولة ولا تتفكك بمجرد مواجهتها أمنياً، بل الأمر أخطر من هذا بكثيرٍ، وقد نشر الرئيس العراقي الأسبق برهم صالح مقالة قبل يومين تحت عنوان شديد الأهمية وهو «في الذكرى العاشرة للإبادة الإيزيدية... العدالة لم تُحقق وخطر التطرف لم ينتهِ»، وبالفعل فتنظيم «داعش» الإرهابي هو الابن الشرعي لتنظيم جماعة «الإخوان» الأم، وخطر التطرف لم ينته ولن ينتهي قريباً. أخيراً، فمواجهة دولة الإمارات لهذه التنظيمات السرية حازمةٌ ومستمرةٌ، فأمن الأوطان واستقرار الدول أولويةٌ كبرى لا يمكن التهاون بها أو التقليل من شأنها.

*كاتب سعودي