نعمة كبرى أن يجد الإنسان نفسه في وطنه، أو أي وطن آخر يلجأ إليه لأي ظرف كان ينال الأمن والأمان والاستقرار الذي ذكره المصطفى العدنان في حديثه الجامع والمانع يقول: «من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا». هذا الحديث الشريف والجليل في مدلولاته، احتوى على ثلاثة أعمدة رئيسية لاستقرار المجتمعات كلها وليست المسلمة وحدها، وهي باختصار شديد، الأمن العام، والأمن الصحي، والأمن الوظيفي، هذه كلها سر أمان الدنيا كلها، فمن اقتنع بها لن يهرب إلى الشوارع والطرقات يهدم الأملاك العامة لأسباب لا تمسه.

الإمارات دولة سلام وحسن تعايش ومسالمة مع نفسها ومع الآخرين، فهي لم تكن يوماً مكاناً لتصفية الحسابات السياسية مع أي طرف كان، فهي لا تؤمن بالفوضى طريقاً للمطالبات، بل الفوضى مطبات غير آمنة وفق كل الموازين العالمية، وإن كان البعض يستغلها لمآرب أخرى، وفي الإمارات ليس لها مكان من الإعراب شتان الفرق بين الحرية والفوضى، فالأولى نهر يتدفق بالخير والعطاء من منبعه إلى مصبه، والثانية شلالات تندفع بلا شطآن أو أهداف، وتتحول إلى عالم من المستنقعات الراكدة، والكيانات الآسنة، لا فائدة منها ولا جدوى. هناك من يحاول خطف الأوطان، فإن لم يتمكن من ذلك، ينتقل إلى نزع الأمن من الوسط، بمبررات ساذجة وواهية عبر شعارات لا تطعم قوت اليوم مقابل دماء الأبرياء التي تسال بلا قيمة. في زمن خلافة السلاجقة، كاد شيء من الفوضى أن يقع، وذهب البعض آنذاك إلى الإمام الغزالي صاحب «إحياء علوم الدين» لتوريطه في إصدار فتوى شرعية، وكان أحد مستشاري الخليفة، وكان مبرر تلك الشرذمة فقدان «العدالة» في الخلافة.

لقد كان الغزالي علّامة في فقه السياسة الشرعية وبارعاً في استخراج أحكام فقه خير الخيرين وفقه شر الشرين، فرد هؤلاء في نحورهم داحرين قائلاً لهم عن هذه المعادلة الأمنية الشرعية: «الأمن مقدم على العدل، لأن العدالة نسبية والأمن مطلق لا مساومة فيه».

هكذا يكون الوطن جَنة لجميع ساكنيه، إذا جعلوا من قلوبهم موطناً له، وجُنَّة، أي وقاية لمن تتلاعب به الأفكار المنحرفة، إذا ما قبل معادلة الوطن لا يعلا عليه إلا فكر يجعل من الوطن شأناً مقدساً وخطاً قاني الحمرة لمن أراد الاقتراب من حرماته والأمن على رأسها. لقد قالت القيادة الرشيدة كلمة الفصل في ذلك، حيث قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله:(يعيش بيننا في دولة الإمارات أكثر من 200 جنسية، يسهم أفرادها معنا في تنمية هذا الوطن. التسامح والتعايش والالتزام بالقوانين والحفاظ على الأمن والأمان أسس متينة لمجتمعنا، ونتطلع إلى أن يلتزم بها كل من يعتبر الإمارات وطناً).

*كاتب إماراتي