غنت جارة القمر السيدة فيروز بمنتصف الستينيات من القرن المنصرم في رسائل الحب أغنية «كتبنا وما كتبنا ويا خسارة ما كتبنا»، ومازالت سيدتنا «عصفورة الشرق- فيروز» في كل صباح وعلى جناح الأثير تبث وترسل بمكاتيب ورسائل التفاؤل ورفع كل ما في الخواطر من ذكرى ومشاعر وطموح إلى مستويات عالية من الأمل والابتسامة والرضا في معظم الإذاعات العربية، لذا من ألقابها العديدة «صوت الصباح».

بدايةً، نضع الرسالة في تعريف محدد بأنها كل ما يحمل تأثيراً بصورة مباشرة وغير مباشرة وبدرجات وعلى فئات اجتماعية مختلفة عبر المعلومات وتحفيز الإدراك، وبالتالي فالمحصلة تغير في المعلومات والسلوك والاعتقاد والشعور لدى الأفراد والمجتمع.

وتتكون الرسالة من الكلمة والصوت والمنطق والحقائق والحركة واللوحة والمنظر والمظهر والأسلوب، عبر نصوص مكتوبة ومقاطع الحركة والفيديو والبث المباشر، ومن الأغنية وما يعكسه سلوك الشخصية الملهمة، إلى جانب أهمية المدارس والجامعات والكليات ومراكز تدريب وتطوير المواهب والقدرات البشرية حتى المتاحف ومراكز الفنون لها مؤثرات، ولا ننسى الشركات والدعاية التسويقية، وصولاً للخطب الدينية وغيرها الكثير، كالملابس والأطعمة والسفر.

وأهم وسائل وقنوات الرسائل تأتي من الوسائل التقليدية، كالبرامج المتلفزة والإذاعية والصحافة والسينما والكرتون والكتب والمجلات والروايات والقصص والشعر والسفر والأطعمة والمؤثرين الاجتماعيين والرياضيين والفنيين الملهمين، إلى الوسائل الحديثة من اليوتيوب ووسائل الاتصال الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، حتى اللغات لها رسائل عبر ما تمثلهُ من ثقافة وإيديولوجيات، وجلُّ الحياة رسائل، فتغير درجات الحرارة يحمل رسائل حول البيئة والمناخ واستنزاف الموارد الطبيعية. تكمن قوة الرسائل وتأثيرها على ماهية العلاقة بين المرسل والمتلقي، وهذه العلاقة متعددة بين مصداقية المحتوى الرصين المطروح والصوت والمظهر الجميل إلى المواهب العلمية والبدنية، وبين ما هو في إطار التسويق والتسلية والتشويق والكوميديا المقبولة، وصولاً إلى العلاقة مع المحتويات السطحية الهابطة.

فعلى الرغم من أن وسائل الاتصال والإعلام التقليدية كالصحف الورقية والمجلات والتلفاز لم تعد مؤثرة كما كانت، إلا أنها تحمل مصداقية عالية في نشر الأخبار والسياسات والصفحات الثقافية والعلمية، إلى جانب كونها تحتوي على مواد نافعة ومحافظة ومعززة للقيم الاجتماعية.

وفي وقتنا المعاصر الذي تكثر فيه الرسائل ذات المحتوى التافه والمفسد للقيم والأخلاق والمسببة للجرائم، تتزايد أهمية التوعية حول اختيار المنصات الإعلامية التي تعمل على بناء الإنسان بأطوارهِ، وتزودهُ في نفس الوقت بالمعرفة والتواصل والتسلية، بعيداً عن الابتذال ورواج السطحية والإفراط في التفاهة.

هذا الاختيار يسهل في حالة البالغين والأكثر دراية حول أهمية وخطورة الرسائل الإعلامية، أما في حالة الأطفال والمراهقين فإن المسؤولية تقع هنا على عاتق الوالدين والأسرة والمدارس والمؤسسات المعنية في تحديد ومراقبة سلوك الأطفال والمراهقين في العالم الإلكتروني، ومحاولة ربطهم في شبكة إلكترونية مفيدة ليست بالتعليم والمعرفة وحسب، بل حتى في التواصل بين العائلة الواحدة والأصدقاء، إلى جانب أهمية تقويم وإصلاح سلوكهم.

*كاتب ومحلل سياسي