تمكنت مجموعة دول «أوبك+» خلال السنوات الأربع الماضية وبنجاح مشهود من تثبيت أسعار النفط فوق 80 دولاراً للبرميل، مما وفر لكافة الدول المنتجة والمصدرة للنفط عوائد عادلة مكنتها من تمويل برامجها التنموية وتحقيق معدلات نمو جيدة، وذلك بفضل تضامنها وتمسكها بحصص الإنتاج المتفق عليها، بل إنه في بعض الأوقات فاق معدل الالتزام نسبة مائة في المائة نتيجة للعديد من العوامل، من بينها العوامل الطبيعية والمناخية وتلك المتعلقة بالصيانة.

ورغم المحاولات المستمرة من قبل الدول المستهلكة للتأثير في الأسعار ومحاولة تخفيضها باستخدام كافة الوسائل، بما فيها عوامل السوق والمضاربات، فإن قوة تضامن دول «أوبك+» وتماسكها كان كفيلاً بالحفاظ على مستويات الأسعار، وذلك رغم تذبذبها بين فترة وأخرى تحت تأثير النمو الاقتصادي ومعدلات الطلب في البلدان الرئيسية المستهلكة، وبالأخص الصين، وكذلك حجم مخزونات النفط الأميركية والتي تتفاوت بين فترة وأخرى.

لقد سبق وأن أشرنا إلى ضرورة الحفاظ على الالتزام بحصص الإنتاج، على اعتبار أن سوق النفط العالمي تمر بفترة حساسة جداً تشهد خلالها تقلبات حادة نتيجة للتعافي التدريجي للاقتصاد العالمي بعد محنة «كوفيد ـ19» والصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها بعض الاقتصادات الكبيرة والحروب والأزمات والصراعات التي أعقبت فترة التعافي من الجائحة، حيث كان التزام دول المجموعة وحرصها على استقرار معدلات الإنتاج والأسعار مثيراً للإعجاب، خصوصاً وأن هناك بعض التناقضات التي تتسم بها علاقات دول المجموعة فيما بينها، إلا نها تمكنت من الحفاظ على الحد الأدنى من التضامن والالتزام.

وبعد أربع سنوات ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الخروقات الخاصة بالالتزام بحصص الإنتاج، حيث سيكون لهذه الخروقات نتائج سلبية كبيرة في المحافظة على معدلات الأسعار الحالية، والتي يمكن أن تتدنى إلى مستويات ستشكل خسارة كبيرة لكافة الدول الأعضاء، إذ أن ذلك قد يؤدي إلى انخفاض الأسعار إلى ما دون 50 دولاراً للبرميل، خصوصاً وأن حجم الخروقات كبير وقد بلغ 2.280 مليون برميل يومياً، أكثر من نصفها (وبنسبة 52%) جاء من العراق الذي ينوي رفع إنتاجه من النفط إلى 6 ملايين برميل يومياً، مقابل 4.6 مليون برميل يومياً في الوقت الحالي. أما في حالة تزايد عدد الخروقات من قبل الدول الأخرى التي قد تزيد إنتاجها فوق حصصها المعتمدة للحاق بالدول التي سبقتها في الخروقات، فإن أسعار النفط ربما تنخفض إلى 30 دولاراً للبرميل، وبالأخص في حالة فوز ترمب الذي ترمي سياسته إلى زيادة إنتاج النفط الأميركي، وكذلك بسبب الفرق الشاسع بين مستويات العرض والطلب، مثلما حدث أكثر من مرة في سنوات العقد الماضي.

وفي هذه الحالة، فإن الدول التي بدأت في عدم الالتزام بحصص الإنتاج ستتعرض، كبقية الدول المنتجة، لخسارة أكثر من نصف عائداتها من النفط، مما يعني أن الزيادات فوق حصص الإنتاج لن تعوضها عن هذا الانخفاض الكبير في العائدات، وقد تتعرض لأزمات اقتصادية حادة وانخفاض في معدلات النمو وتدهور أوضاعها الاقتصادية. لذا، فإنه من الحكمة إعادة النظر في هذه التجاوزات، أولاً تجنباً لتعريض اقتصاداتها لصعوبات هي في غنى عنها، وثانياً حفاظاً على وحدة دول «أوبك+» والمكاسب التي تحققت في السنوات الأربع الماضية، وهو ما أوجد بعض التفهم من قبل بعض الدول المتجاوزة، والتي أعلنت أنها سوف تلتزم بحصتها الإنتاجية اعتباراً من الشهر الجاري، إلا أنه لم تصدر أية تأكيدات بإعادة الالتزام من أكبر دولة متجاوزة.

لذا، فإن مصالح الدول الأعضاء ومستقبلها الاقتصادي يتطلب الالتزام التام بحصص الإنتاج لتفادي أية هزات عنيفة لأسواق النفط الهشة والمتقلبة، والتي تستدعي أكثر من أي وقت مضى إيجاد تفاهمات مشتركة بين دول «أوبك+» يمكن من خلالها الحفاظ على أسعار عادلة تحقق مصلحة جماعية لكافة الدول الأعضاء، إذ أن تفكك المجموعة سيؤدي إلى فوضى عارمة في أسواق النفط وانخفاض كبير في الأسعار، مما سيشكل خسارةً فادحةً للجميع.

*خبير ومستشار اقتصادي