يحتفل العالم سنوياً باليوم العالمي لصون النظم البيئية لأشجار القرم في السادس والعشرين من يوليو من كل عام، لتسليط الضوء على أهمية هذه النظم البيئية الحيوية وتعزيز الجهود العالمية لحمايتها، خاصة أن أشجار القرم تُعتبر من الأنظمة البيئية الأكثر تنوعاً وإنتاجية، فهي توفر موائل حيوية للعديد من الكائنات البحرية، وتساهم في حماية السواحل من التآكل، وتُحسِّن جودة المياه، ولها دور كبير في التخفيف من آثار التغير المناخي. تنمو أشجار القرم في المناطق الساحلية الاستوائية وشبه الاستوائية، حيث تتكيف بشكل مذهل مع الظروف البيئية القاسية مثل ارتفاع الملوحة والتغيرات في مستويات المد والجزر.

ويتميز النظام البيئي لأشجار القرم بقدرته على حماية السواحل من التآكل الناتج عن العواصف والأمواج، حيث تعمل كمصدات للرياح، ما يعزز من استقرار الشواطئ ويقي المجتمعات الساحلية من المخاطر البيئية، كما تساهم أشجار القرم في تخزين الكربون بنسبة تصل إلى 400% أسرع من الغابات الاستوائية المطيرة.

وعلى الرغم من فوائدها الهائلة، فإن هذه الأشجار معرضة للخطر بفعل ارتفاع منسوب مياه البحار حول العالم، وتدمير الموائل، والتلوث، ولذلك تحتاج هذه النظم إلى الحماية. وتعد الإمارات من الدول الرائدة في الحفاظ على نظم أشجار القرم، حيث تمت زراعة ما يناهز 40 مليون من أشجار القرم في المناطق الساحلية لإمارة أبوظبي منذ عام 1987، وذلك بفضل جهودها المكثفة والمبتكرة في هذا المجال.

وتغطي أشجار القرم نحو 13.616 ألف هكتار من مساحة الدولة، بينها 10.834 ألف هكتار في إمارة أبوظبي. وبفضل السياسات البيئية الرائدة التي تدعو إليها وتساندها القيادة الحكيمة لدولة الإمارات، فقد حققت إنجازات ملحوظة في صون واستعادة هذه النظم، حيث أعلنت على هامش «COP26»، خطتها لزراعة 100 مليون شجرة قرم بحلول عام 2030. كما اعتبرت الإمارات أشجار القرم جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيتها الوطنية للتخفيف من آثار التغير المناخي، فضلاً عن كونها ركيزة رئيسية في تحقيق هدف الحياد المناخي للدولة بحلول عام 2050.

وفي إطار تعزيز قدرتها على دعم الحياة البرية وحماية السواحل أطلقت الإمارات العديد من مشاريع إعادة تأهيل وتوسيع الغابات القرمية على طول سواحلها. ومن بين هذه المشاريع، برنامج زراعة أشجار القرم في إمارة أبوظبي، الذي يهدف إلى زراعة وتجديد المساحات المتضررة من غابات القرم، مما ساعد على زيادة المساحات المزروعة منها بشكل كبير.

وتستثمر الإمارات بشكل كبير في البحوث العلمية المتعلقة بأشجار القرم، فقد تم إطلاق مشاريع بحثية تهدف إلى فهم أفضل الأنظمة البيئية لأشجار القرم وكيفية تحسين استراتيجيات الحماية، كما يتم استخدام التقنيات المتقدمة مثل التصوير الجوي والخرائط الرقمية لمراقبة صحة الغابات القرمية وتحديد المناطق التي تحتاج إلى تدخل.وبالإضافة إلى ذلك، تسعى الإمارات إلى تعزيز التعاون الدولي في مجال الحفاظ على أشجار القرم، فقد شاركت في العديد من المبادرات العالمية والإقليمية التي تهدف إلى تبادل المعرفة والخبرات وتوحيد الجهود لحماية هذه النظم البيئية، كما أن التعاون مع المنظمات البيئية العالمية يساعد على تبني أفضل الممارسات والابتكارات التي تعزز من فعالية استراتيجيات الحماية. ونظراً لأن القيادة الرشيدة لدولة الإمارات تدرك أهمية التوعية والتعليم في مجال حماية النظم البيئية لأشجار القرم، فقد نظمت العديد من الحملات التوعوية والبرامج التعليمية التي تستهدف الجمهور والمجتمعات المحلية للتعريف بأهمية أشجار القرم ودورها في النظام البيئي، حيث تساعد هذه الحملات على تعزيز الوعي البيئي وتشجيع المشاركة المجتمعية في جهود الحفاظ على هذه النظم.

وتعد الجهود التي تبذلها دولة الإمارات في مجال صون النظم البيئية لأشجار القرم نموذجاً رائداً يُحتذى به على الصعيدين الإقليمي والدولي، من خلال استراتيجياتها المبتكرة، واستثماراتها في البحث العلمي، وتعاونها الدولي، وتسليط الضوء على أهمية التوعية البيئية.

وبمناسبة اليوم العالمي لصون النظم البيئية لأشجار القرم، فمن الضروري أن نحتفل بهذه الإنجازات ونستمر في تعزيز الجهود لحماية هذه الكنوز الطبيعية التي تُعتبر جزءاً أساسياً من تراثنا البيئي.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.