اختير يوم 30 يوليو من كل عام ليكون يوماً عالميّاً لمكافحة الاتجار بالأشخاص، بالنظر إلى الآثار الإنسانية الفادحة التي تترتب على هذه الجريمة، والمعاناة التي تتسبب فيها.

وقد ركز الأمين العام للأمم المتحدة هذا العام على قضية الاتجار بالأطفال، الذين يمثلون ثلثَ الضحايا في جرائم الاتجار بالبشر، باعتبارهم ضمن الفئات الأضعف والأسهل استهدافاً، وتعرُّضهم لأشكال متعددة من الاتجار، بما في ذلك العمل القسري، والجريمة، والتسول، وإجبارهم على القيام بأنشطة إجرامية. وتواجه دولة الإمارات العربية المتحدة هذه الجريمة بكل أشكالها الواردة في تعريف الأمم المتحدة لها، والتي تضم «تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال، كحدّ أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسراً، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء».

على المستوى القانوني والتشريعي، كانت دولة الإمارات هي أولى دول المنطقة في وضع قانون شامل يكافح الاتجار بالبشر، عام 2006. وفضلاً عن العقوبات التي يتضمنها القانون لمن يُدانون بهذه الجريمة، فإنه يعاقب كذلك الأشخاص الذين يكونون على علم بوقوع الجريمة ولا يُبلغون عنها، ويوفر الدعم والحماية للضحايا وشهود العيان. وقد تواصلت التشريعات التي أصدرتها الدولة في هذا الصدد، وآخرها «مرسوم بقانون اتحادي في شأن مكافحة الاتجار بالبشر»، صدر في 13 سبتمبر 2023، وأصبح نافذاً في 16 سبتمبر 2023، ويشدِّد العقوبات على مرتكبي جرائم الاتجار بالبشر.

وتجدر الإشارة إلى تغليظ العقوبات في حال كان الضحية طفلاً أو معاقاً أو فاقداً للأهلية أو أنثى حاملاً، حيث تكون العقوبة السجن المؤبد والغرامة التي لا تقل عن خمسة ملايين درهم، لتتناسب مع فداحة الجرم. وسعياً إلى بناء إطار تنظيمي قوي وشامل، فقد أسست الدولة في وقت مبكر أيضاً «اللجنة الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر»، التي تواصل جهودها منذ إطلاقها عام 2007، في التصدي لهذه الجريمة. وتُعنى اللجنة بدراسة التقارير الدولية والإقليمية والمحلية المتعلقة بهذه الجريمة واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة بشأنها، وتأمين الحماية والدعم للمتضررين.

ويعد «صندوق دعم ضحايا الاتجار بالبشر» الذي أُنشئ عام 2014، أحد أهم مبادرات اللجنة، حيث قدّم مساعدات تجاوزت أكثر من 300 ألف دولار للضحايا في مراكز ومؤسسات الرعاية في مختلف إمارات الدولة، ومنها «مركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية»، و«مؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال»، ومركز «أمان» في إمارة رأس الخيمة. وركزت الدولة في جهودها لمكافحة الاتجار بالشبر على أربعة مجالات، وهي: الوقاية، وبناء القدرات على الصعيدين الوطني والإقليمي، وتوفير الحماية القانونية والاجتماعية للضحايا، وتعزيز التعاون الدولي والالتزام به.

وفي هذا السياق، أولت الإمارات أهمية كبيرة لتدريب وتطوير قدرات فرق مكافحة الاتجار بالبشر، من خلال برامج تدريبية متقدمة وورش عمل متخصصة، حيث نفذّت وزارة الداخلية أكثر من257 برنامجاً للتوعية بهذا الشأن. وعلى المستوى الدولي، وقّعت الدولة عدداً من مذكرات التفاهم مع الدول الصديقة، لتعزيز التعاون في مجال مكافحة هذه الجريمة وحماية الضحايا، وأطلقت مبادرة «حوار أبوظبي» لتنظيم المشاورات بين الدول المرسلة والمستقبلة للعمالة في قارة آسيا، إضافةً إلى كونها طرفاً رئيسيّاً في «الحملة العالمية لمكافحة الاتجار بالبشر». وإذ تضاعف دولة الإمارات العربية المتحدة جهودها في مواجهة هذه الجريمة، فإنها تنطلق أساساً من القيم الدينية والأخلاقية والموروث المجتمعي الإماراتي الذي يرفض كل أشكال القهر والظلم التي يتعرض لها الإنسان، ويحرص على وضع القوانين والضوابط الحازمة التي تحمي البشر من الوقوع ضحية لها.

كما تمدُّ دولة الإمارات اليد إلى كل الدول والمؤسسات والهيئات الدولية، من أجل التعاون على القضاء على هذه الجريمة، ومعاقبة مرتكبيها، وإنقاذ الإنسانية من تبعاتها المؤلمة.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.