الشيء الأخلاقي الذي يجب فعله هو إعادة التعدين إلى أميركا. قبل سبعين عاماً، كانت الولايات المتحدة الدولة الرائدة في العالم في إنتاج الفلوريت، وهو معدن متعدد الألوان وضروري لصناعات مثل الصلب.
لكن آخر منجم للفلوريت الأميركي أغلِق منذ ما يقرب من 30 عاماً، لعدم قدرته على المنافسة مع العمليات الأرخص في أماكن مثل منغوليا. وعلى الرغم من أن أميركا لديها رواسب وفيرة من العديد من المعادن المهمة التي تدخل في تصنيع السيارات والإلكترونيات والمباني، إلا أن هذه المواد يتم استخراجها في الغالب في الخارج في الدول الفقيرة، حيث العمالة رخيصة والقوانين البيئية أكثر تساهلاً، ونادراً ما يتم تطبيقها أو يتم تجنبها بسهولة بدفع الرشاوى.
ويعني تراجع التعدين المحلي أن الأميركيين يلجأون إلى الدول ذات الدخل المنخفض للاستعانة بمصادر خارجية لتغطية التكاليف البيئية والاجتماعية لسلعنا الاستهلاكية غير المكلفة.
يأتي أكثر من 70% من الكوبالت في العالم، والذي يطلق عليه أحياناً «الماس الدموي» في بطاريات السيارات الكهربائية، من جمهورية الكونغو الديمقراطية. ويأتي حوالي نصف النيكل في العالم، وهو مكون رئيسي آخر في بطاريات السيارات الكهربائية، من مناجم في إندونيسيا.
وفي صحراء جوبي في منغوليا، حيث قمت بدراسة الآثار البيئية للتعدين، التقيت بعمال مناجم الفلوريت . يتزايد الطلب على هذه المعادن مع تحولنا عن الوقود الأحفوري، وتركها في الأرض سيعرض التقدم المناخي للخطر.
وجدت دراسة للأمم المتحدة أن تحقيق الأهداف المناخية الدولية بحلول عام 2030 قد يتطلب بناء ما يصل إلى 80 منجماً للنحاس، و70 منجما لليثيوم، و70 منجماً للنيكل لتوفير المواد اللازمة للسيارات الكهربائية، والألواح الشمسية، ومجموعة أخرى من التكنولوجيات منخفضة الكربون. والطريقة الأخلاقية والاستراتيجية للتعامل مع هذا الموقف هي أن تقوم الحكومة الفيدرالية ونشطاء البيئة بتشجيع هذه الصناعة على العودة إلى الولايات المتحدة وإخضاعها لأعلى معايير الاستدامة.
ونظراً لأن تشغيل المناجم الآمنة والتي تعمل بطريقة أخلاقية تكون أكثر تكلفة، فسيتعين على المستهلكين دفع فرق سعر صغير مقابل الحصول على المنتجات التي تحتوي على معادن مصدرها هذه العمليات. يدفع الكثير منا بالفعل المزيد مقابل السلع التي يتم الحصول عليها من مصادر مسؤولة، مثل الشوكولاتة والقهوة، ويجب أن نطالب بالشيء نفسه بالنسبة لهواتفنا الذكية وبطارياتنا.
قد تكون إعادة اختراع صناعة التعدين الأميركية أكثر جاذبية على نطاق واسع مما تبدو. على اليمين، يتطلع المحافظون إلى دعم الوظائف وعائدات الضرائب في المجتمعات الريفية التي تولدها صناعة الوقود الأحفوري، والتي من المرجح أن تتراجع مع اكتساب التحول في مجال الطاقة زخماً. وفي الوقت نفسه، يتطلع صقور الدفاع إلى التفوق على الصين، التي تحتكر تقريباً سلاسل التوريد للعديد من المعادن المهمة. وعلى اليسار، تتطلع إدارة بايدن إلى تنفيذ سياستها الصناعية التي تحمل شعار «صُنع في أميركا»، بما في ذلك قانون الحد من التضخم، الذي قدم حوافز ضريبية و250 مليون دولار في هيئة منح لإنتاج المعادن المهمة محلياً.
وتتطلب العديد من أحكام مشروع القانون، مثل الائتمان السخي للسيارات الكهربائية، من الشركات المصنعة الحصول على ما لا يقل عن نصف المعادن المهمة في البطاريات من الولايات المتحدة أو الدول التي أبرمنا معها اتفاقيات تجارة حرة. وقد اقترح العديد من الخبراء مزيدا من الإصلاحات لتعزيز تعدين المعادن المهمة في الولايات المتحدة. اقترح مركز السياسات المؤلف من الحزبين إنشاء حدود زمنية للمراجعات البيئية الفيدرالية وتمويل تطوير القوى العاملة. لكن إعادة إنشاء الصناعة المحلية تواجه مشكلتين بسيطتين.
الأولى هي التكلفة. إن دفع أجور عادلة، وتخزين النفايات السامة بشكل آمن، وتخصيص الأموال للتنظيف أمر مكلف، وتفضل بعض شركات التعدين محاولة تحقيق أرباح أكبر من خلال العمل في بلدان ذات عمالة أرخص ولوائح أكثر تساهلاً. ومن الممكن أن يؤدي الجهد المنسق الذي يبذله مشتري هذه المعادن - شركات مثل «آبل» و«جنرال موتورز» - إلى تغيير هذه الحسابات.
ومن خلال الالتزام بشراء مواد من مصادر تعمل بشكل أخلاقي، تستطيع هذه الشركات تحفيز عمال المناجم والمستثمرين على السعي لتحقيق أرباح أعلى عن طريق بيع المواد بسعر أعلى بالطريقة نفسها التي يفعلها المزارعون العضويون مع الأغذية العضوية. يمكن للحكومات الفيدرالية وحكومات الولايات أيضاً الالتزام بشراء المركبات التي تحتوي على مواد مصدرها مناجم معتمدة من قبل مجموعات، مثل مبادرة ضمان التعدين المسؤول.
كثيراً ما أسمع أن سلاسل التوريد طويلة ومعقدة للغاية، بحيث لا يستطيع المصنعون ضمان أن المعادن المنتجة بشكل مسؤول تُستخدم في المنتجات. لكن وراء هذا العذر الضعيف يكمن عزوف عنيد عن الابتعاد عن الوضع الراهن. في الشهر الماضي فقط، أعلنت شركة صناعة السيارات السويدية فولفو أن أحد طرازات سياراتها الكهربائية الجديدة سيكون له «جواز سفر بطارية» مبتكر يخبر المستهلكين بمكان استخراج مكونات البطارية ومعالجتها.
ولم يعد بإمكان الشركات الأخرى التظاهر بالعجز فيما يتعلق بسلاسل التوريد الخاصة بها. أما العقبة الأكثر إلحاحاً التي تقف في طريق جلب المزيد من التعدين إلى الولايات المتحدة، فهي النقد اللاذع بين شركات التعدين والمجتمعات المحلية والجماعات البيئية - وهو النقد اللاذع الذي يعطل التطويرات المقترحة ويتسبب في مهلة زمنية طويلة للمناجم الجديدة.
وينبع هذا الصراع الذي يتم خوضه عادة من خلال الدعاوى القضائية والمناورات الإدارية الأخرى من تاريخ يمتد لقرون طويلة من قيام شركات التعدين بتسميم المجتمعات والمناظر الطبيعية الريفية (وخاصة القبلية). تقدر وكالة حماية البيئة أن 40% من أنهار البلاد و50% من بحيرات البلاد ملوثة جزئيا بالمناجم المهجورة.
لكن صناعة التعدين يمكن أن تترك وراءها هذا الإرث المخزي. لقد أتاحت التطورات الحديثة استخراج المعادن ذات التأثير البيئي الأصغر بكثير، مثل إعادة معالجة النفايات القديمة في المناجم المهجورة. وقد أبدت بعض شركات التعدين استعدادها لحماية المجتمعات المحلية.
على الرغم من أن التعدين لن يكون له تأثير صفري أبداً، إلا أنه يتمتع بالقدرة على أن يكون عادلاً ومسؤولاً. سيتطلب تحقيق التعدين الآمن والأخلاقي تعاونا من المجموعات البيئية. وبدلاً من معارضة مشاريع التعدين بشكل تلقائي، ينبغي للنشطاء أن يطالبوا بأن تلتزم المناجم الأميركية الجديدة بأعلى معايير الاستدامة.
وينبغي لهم أيضا أن يدفعوا الكونجرس إلى إصلاح قوانين التعدين غير الكافية في أميركا، مثل إلزام شركات التعدين بالتوقيع على اتفاقيات تقاسم المنافع مع المجتمعات المحلية قبل البدء في إنشاء مناجم جديدة. من السهل أن نتنصل من المسؤولية عن التأثيرات البعيدة لما نشتريه ونستهلكه، ومن النبل أن ندافع عن المناظر الطبيعية التي نسميها وطننا.
ولكن غض الطرف عن العواقب المترتبة على ثراءنا يفرض علينا ثمناً باهظاً. لقد حان الوقت للنظر بشكل مباشر إلى هذا الضرر وأن نسأل أنفسنا: ما الذي يمكننا القيام به لجعل التعدين - وتحول الطاقة العالمية - تجارة عادلة للناس والكوكب؟
*باحث متخصص في قضايا المناخ بجامعتي كامبريدج وأكسفورد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»