لا تُقاس الدول بحجمها ولا بقِدم تأسيسها وتاريخ نشأتها أو بعدد نسمات شعبها، ولا بحجم مساحتها وامتدادها الجغرافي.. فهناك الكثير من الدول حضارتها تجاوز عمرها آلاف السنين، وحجمها الجغرافي والديموغرافي كبير للغاية، لكنها تعاني اقتصادياً وبيئياً، وعاجزة صناعياً وإدارياً، ولها متاعبها في مختلف المجالات.. والسبب ضعف الإدارة وتراجع المشاريع والافتقار إلى السياسات الاستراتيجية والرؤى الاستشرافية. أثارني سؤال من صديق عربي يقطن في إحدى العواصم العربية، إذ بادرني قائلاً: «ما زلتَ تسكن في الإمارات.. كيف تستطيعون الخروج من بيوتكم في حر الصيف؟ كيف تستمر الحياة لديكم؟». وحين سألتُه كيف الجو لديكم؟ قال: «الجو عندنا يجنن»! ثم سألته: وماذا عن غلاء الأسعار؟ قال: «وكمان غلاء الأسعار ايجنن»! وسألته مجدداً: وهل الكهرباء والماء متوفران لديكم على مدار اليوم؟ قال: الكهرباء بالقطارة فقط، والماء متقطع دائماً.. الشيء الوحيد الذي نحصل عليه بشكل منتظم هو الهواء، ولو توفرت لديهم حيلة لحجبه وتقنينه لوضعوا عدادات على مناخيرنا كي ندفع فاتورة الهواء وضريبته كما ندفع ضريبةً على كل شيء!
لا يتوفر لدينا سوى الهواء، والحمد الله أنه يأتي من السماء مجاناً من دون عداد ولا فاتورة استهلاك أو فاتورة ضريبية! قلت: نحن هنا أمورنا طيبة للغاية، في دول دول الخليج العربي، ننعم بوفرة الماء الدائم والكهرباء القوية المنتظمة، وبالأمن والأمان التأمين أيضاً، وهذا هو الأهم يا أخي الكريم. نترك سياراتنا مفتوحةً ولا تتعرض للسرقة مطلقاً، وأبوابنا تبقى مشرعة، ليل نهار، لا يدخلها إلا أهلها وضيوفهم. ولو انقطعت الكهرباء لسبب طارئ، فإن حالة استنفار يتم إعلانها داخل القطاع المعني حتى تعو الكهرباء حالا للسكان. أما انقطاع الماء فمستحيل الحدوث. والعمل قائم على قدم وساق في جميع القطاعات الخدمية والإدارية، سواء الحكومية أم الخاصة، لخدمة المراجع وإسعاده.. لا يتغير أداؤها صيفاً ولا شتاءً. وأضفت: نحن هنا في الخليج لا نشعر بالحر خلال الصيف، لأن البيوت مكيفة، والمكاتب مكيفة، والأسواق وأمكنة الخدمات مكيفة أيضاً، وداخل جميع الوزارات والدوائر والإدارات والقطاعات على اختلافها.. تجد التكييف، وتجد الماء البارد يوزَّع مجاناً على المراجعين والمتعاملين. كل الأمكنة نظيفة ومكيّفة، والمؤسسات الحكومية لا فرق لديها بين مراجع وآخر. ساعات الدوام منتظمة خلال فصول السنة كلها. ثم قلت له: إن الدفء، يا صديقي، عافية، وكثير من المشاريع التنموية في بلداننا الخليجية أصبحت تستفيد من أشعة الشمس وتحولها إلى طاقة نظيفة مستديمة.
والشمس الحارة تطرد الذباب والنمل وكثير من الحشرات، كما تطهر الأجسام والأمكنة من الميكروبات والجراثيم، وهذه من نعم الله على البلدان الخليجية وسكانها، إلى جانب نعمه الكثيرة الأخرى، مثل الأمن والأمان في عالم مضطرب، ونعمتا الرفاه والوفرة في عالم يعاني ضوائق وأزمات اقتصادية متتالية.
نحن بخير.. ورغم حرارة الشمس صيفاً، فقد أرسلت دولُنا مساعداتٍ إنسانيةً، غذائية وطبية، بآلاف الأطنان، إلى المحتاجين في كل مكان من العالم. ولذا فإن دولنا تبني وتعمل وتُطوِّر طوال العام، بلا كلل ولا ملل.. تعمل على مدار اليوم في خدمة شعوبها والمقيمين على أرضها، وتساعد الآخرين منطلقةً من مبدأ الواجب الإنساني والأخلاقي. إنها بلدان حباها الله بنِعم الخير والأمن والأمان والاستقرار، إذ منَّ عليها بقادة يعرفون قيمة هذه النِّعم ويحرصون على تدبيرها أفضل لصالح الأوطان وأجيالها!
*كاتب سعودي