عندما يُراد التحدث في أمر الأحزاب والحزبية في العالم العربي واستخدامها على النمط الغربي في الدول الرأسمالية، أو على نمط الحزب الواحد الذي كان سائداً في الاتحاد السوفييتي ودول الكتلة الشرقية السابقة يتضح بأن الأمر غير مناسب في كلتا الحالتين.
وما أفصحت عنه الممارسات الحزبية حتى الآن في جميع الدول العربية منذ أن وصلت تجارب الأحزاب إليها هو أن الأحزاب التي تم تأسيسها على أساس أن لديها برامج وطنية سياسية واقتصادية واجتماعية تريد العمل على تحقيقها. لكن جميع الأحزاب التي قامت انقلبت إلى مظاهر هي عبارة عن تجمعات قبلية أو عشائرية أو طائفية أو شللية أو مناطقية تمثل فئة اجتماعية معينة من منطلقات المصالح الضيقة. وعندما نقول إن النظم الحزبية الغربية غير مناسبة، فإن المقصود بذلك أن دول العالم العربي عليها أن تبتعد عنها وألا تقيم مؤسساتها السياسية تقليداً لدول الغرب - أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
دول الغرب التي نشير إليها ذات مجتمعات طبقية، مؤسساتها السياسية مصممة لكي تناسب واقعها الخاص، آخذاً بعين الاعتبار أن استخدام مصطلح «طبقية» ذي مفهوم نسبي قد لا يبدو واضحاً للوهلة الأولى، لكنه يكمن خلف ظواهر اجتماعية - اقتصادية تخص كل مجتمع غربي رأسمالي على حدة، خاصة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية. وفي الوقت نفسه مجتمعات العالم العربي ليست طبقية بالمعنى المفهوم لدى الغرب، فهي مجتمعات «جمعية» تعاضدية تكاتفية تحكمها ثقافة ومقولات ذات صبغة إسلامية بحتة، ونحن نعلم مدى تأثير الإسلام في الدولة والمجتمع والسياسة لدى المواطن العربي.
والمهم في الأمر أن ما هو صالح للمجتمعات الطبقية يعتبر غير صالح للمجتمعات العربية المسلمة «الجمعية»، لذلك لكي يتم إنشاء مؤسسات جيدة في الدول العربية لا بد من النظر إلى مشاكلها المعيقة للتنمية من أسفل البنى التحتية تدرجاً إلى الأعلى وبشكل دقيق ومتمعن جداً. مقولة مشاركة سياسية أو مصطلح ديمقراطية لها معنيان لدينا من حيث التطبيق. الأول، هو أن جميع أولئك الذين يتأثرون بالقرارات يجب أن تتاح لهم فرصة المشاركة في اتخاذها إما مباشرة أو عبر ممثلين لهم منتخبين. أما المعنى الثاني فهو أن مشيئة الأغلبية هي التي يجب أن تسود.
هذان المعنيان قد لا يثيران خلافاً، لأن من الطبيعي في الممارسة البرلمانية الغربية أن تتم مأسسة وتصنيف الأقلية في حزب أو كتلة من الأحزاب المتحالفة بأنها معارضة، ويتم إبعادها عن مراكز اتخاذ القرار. ويتم تبرير ذلك عن طريق القول بأنه عندما يتم إحصاء الأصوات في أية انتخابات، فإن مجموعة تفوز، وأخرى تخسر. ويحاول الغربيون تكييف المعنى الثاني للديمقراطية الذي أوردناه مع الأوضاع السياسية القائمة قدر المستطاع.
أما في المؤسسات الأخرى، كمؤسسات الأعمال الخاصة والأسرة والجامعة والكنيسة والمجال الرياضي، وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني، فتقوم اللجان البرلمانية بالتأكد من أن جميع المصالح ووجهات النظر يتم تمثيلها في عضويتها واجتماعاتها ونقاشاتها ومداولاتها، وعادة ما تصل إلى اتفاقات وتفاهمات عن طريق الحلول الوسط عوضاً عن اللجوء إلى التصويت، فما إن تبدأ لجنة برلمانية في التشرذم إلى كتل واتخاذ قراراتها عن طريق التصويت حتى يصبح عملها البرلماني محل تساؤلات، ولا يؤخذ على محمل الجد.
والمهمة الأولى لرئيس اللجنة البرلمانية، هي أن يحافظ على مجموعته في اللجنة، وهي متراصة الصفوف ومتناغمة كفريق عمل واحد. ومثل هذه الثقافة السياسية الحزبية التوافقية في دول الغرب غير موجودة في دول العالم العربي. ويلاحظ بأن ما يدور في البرلمانات العربية، هي خلافات حادة على أتفه المواضيع التي تنقلب إلى صراع قبلي أو طائفي، وقد تتطور إلى تشابك بالأيدي.
*كاتب إماراتي