كان الأسبوع الماضي مشحوناً بسبب محاولة اغتيال المرشح «الجمهوري» للانتخابات الرئاسية الأميركية، الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو الشخصية الأكثر استقطاباً في التاريخ الأميركي الحديث. تزايد الحديث عن أن ترامب يمكن أن يفوز بأغلبية ساحقة، ويستطيع إعادة تنظيم الأحزاب والحفاظ على الترامبية لسنوات قادمة.
وفي وسط كل ذلك زادت الضغوط على بايدن، بما في ذلك نتائج استطلاعات الرأي والانتقادات المتتالية من داخل الحزب الديمقراطي التي تطالبه بالتنحي، وهو ما اضطر إليه أخيراً.
إنه أسبوع يذكّرنا بشهر أغسطس من عام 1914 (بداية الحرب العالمية الأولى)، والذي كان بمثابة نقطة ارتكاز في سيل الأحداث. ربما تكون هذه الأيام قد حركت قوس أميركا والعالم، حيث يتحرك التاريخ في اتجاهات متباينة بطرق قد تشكل مسارنا لعقود من الزمن. لقد أثار هذا الأسبوع الكثير من الاضطرابات والمخاوف، لكنه قدّم آمالاً ونقاط تحول محتملة، أهمها انسحاب الرئيس بايدن من السباق. كما شهد ترامب أسبوعاً حافلاً بالانتصار والبهجة، لكن خطاب قبوله للرئاسة سلّط الضوء أيضاً على افتقاره إلى الانضباط، وميله إلى الثناء على نفسه باعتباره قيصر أميركا.
كان متوقعاً من بايدن أن يستعير لغة الرئيس ليندون جونسون، الذي فاجأ الأمة يوم الأحد الموافق 31 مارس 1968، في خطاب تلفزيوني، معلناً: «لن أسعى، ولن أقبل، ترشيح حزبي لفترة ولاية أخرى رئيساً لكم». وقد أكسب ذلك جونسون إشادة نادرة.
وفي عام 2024، أدى مثل هذا الموقف إلى تجنب الكارثة في نوفمبر. المشكلة بالنسبة لأميركا تكمن في الانقسامات وعدم المساواة والإحباطات التي وصلت ذروتها هذا الشهر. وهذه ليست فريدة من نوعها بالنسبة للولايات المتحدة، لأن قوى مماثلة أدت إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وصعود مارين لوبان في فرنسا، ووجود حكومة ذات جذور يمينية في إيطاليا.
وبالنسبة لي، تبدو سموم اليوم بمثابة صدى للغضب الذي مزّق أميركا وأوروبا في ستينيات القرن العشرين، لكنه انتهى أخيراً وسمح لنا بالتعافي. إذن، نحن نمر بفترة خطر كبير، لكننا أيضاً نمر بفترة مليئة بالفرص لسلوك طريق جديد، إذا تمكنا من اغتنامها. إن محاولة الاغتيال، مثلها مثل أشياء أخرى كثيرة، يجب أن تكون بمثابة دعوة للاستيقاظ. لقد كانت بمثابة نجاة لترامب، ولأميركا أيضاً. من السهل أن نتخيل أعمال شغب إذا كانت الرصاصة قد قتلت المرشح. وهذا يذكرنا مرة أخرى بالحاجة إلى خطاب أقل تشدداً، وإلى سياسات أكثر عقلانية فيما يتعلق بالأسلحة.
لقد عكس إطلاق النار تيارات العنف الكامنة في أمتنا، حيث لا نمتلك كراهية سياسية شديدة فحسب، بل من المحتمل أيضاً أن تكون لدينا أسلحة نارية. فقد أظهر استطلاع للرأي مروع، لكنه جدير بالمصداقية، أن خُمس البالغين يعتقدون أن «الأميركيين ربما يضطرون إلى اللجوء إلى العنف من أجل إعادة البلاد إلى المسار الصحيح». وقد اتخذ هذا الموقفَ عددٌ أكبر من «الجمهوريين»، مقارنة بـ«الديمقراطيين».
هناك أمر واحد لم يَقلق الأميركيون بشأنه بما فيه الكفاية، وهو خطر الاستقطاب الشديد، والإفلات من العقاب الذي يؤدي إلى العنف السياسي. إن مثل هذا الإفلات من العقاب من شأنه أن يحفز المزيدَ من العنف، ومن ثم العنف المضاد، في دورات من شأنها أن تؤدي إلى المزيد من الاستقطاب والإفلات من العقاب، ومن ثم يصبح من الصعب عكس اتجاهها.
كان أحد الأحداث الأكثر أهمية التي شهدها الأسبوع الماضي هو اختيار ترامب لـ«جيه دي فانس» نائباً له، لأن ذلك أوضح مستقبل الترامبية وربما منحها مساراً أكثر استدامة. مهما كان رأي المرء في فانس، فهو ذكي للغاية وقادر. وبعمره البالغ 39 عاماً، قد يصبح شخصية مهيمنة في الحزب الجمهوري لعقود قادمة. وعلاوة على ذلك، ففي حين أن ترامب لديه دوافع، فإن فانس لديه أيديولوجية، ويمكنني أن أتخيل بسهولة أن فانس يعمل بجد لجعل الترامبية أكثر فعالية. لقد بدأت بالفعل عملية إعادة اصطفاف سياسي في أميركا، الأمر الذي أدى إلى تحويل «الديمقراطيين» إلى حزب المتعلمين ودفع العديد من الناخبين من الطبقة العاملة إلى الحزب الجمهوري، أعتقد أن سياسات ترامب وفانس من شأنها أن تزيد الأمور تعقيداً، لكن الأسبوع الماضي أظهر مدى تواصلهما مع الناخبين من الطبقة العاملة التي تنازل عنها الديمقراطيون في كثير من الأحيان.
وأملي السري هو أنه عندما يرون «الجمهوريين» يفوزون على ناخبي الطبقة العاملة، سيتنافس «الديمقراطيون» بشكل أكبر لمصلحتهم. ومع ذلك، في نهاية الأسبوع، فقد كانت بارقة الأمل على جبهة «الديمقراطيين»، حيث أعلن بايدن انسحابه من السباق مفسحاً المجال لنائبته كامالا هاريس. وإذا خسر ترامب في مواجهتها، في نوفمبر، فهذا يعني أن الجمهوريين فازوا بالتصويت الشعبي مرة واحدة فقط (في عام 2004) منذ عام 1989، وربما تكون هناك دعوات للحزب الجمهوري من أجل العودة إلى الحياة الطبيعية.
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»